بقلم علي الشريمي: يوم الكرة العالمي ولغة الجماهير

بقلم علي الشريمي: يوم الكرة العالمي ولغة الجماهير.. في الخامس والعشرين من مايو، أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا اليوم يومًا عالميًا لكرة القدم. قد يبدو للوهلة الأولى وكأنه مجرد احتفال رياضي عابر، لكنه في حقيقته قرار يحمل بُعدًا حضاريًا وإنسانيًا عميقًا، يعكس قناعة عالمية بأن كرة القدم لم تعد رياضة فحسب، بل تحوّلت إلى ظاهرة ثقافية عالمية، وجسرًا ممتدًا بين الشعوب، ومساحة حرة للتعبير، والتقارب، والانتماء. الكرة، في معناها الجوهري، ليست مجرد أهداف تُسجل، ولا بطولات تُرفع، ولا أهازيج تُردّد. إنها ذاكرة جمعية، تختزن مشاعر الناس، وتوقظ أحلام الطفولة، وتصنع من اللحظة العابرة مناسبة لا تُنسى. لذلك، حين قررت الأمم المتحدة تخصيص يوم عالمي لها، فقد كانت تشير إلى هذا العمق الإنساني الذي تتقنه الساحرة المستديرة ببراعة. وفي السعودية، كانت الكرة دائمًا أكثر من رياضة. كانت جزءًا من تشكيل الوعي الجمعي، ومتنفسًا صادقًا للشارع، ومنبرًا للتعبير عن الذات. من ملاعب الأحياء الترابية إلى إستادات تتسابق على حضورها العدسات، ومن صبيةٍ يلعبون بين الأزقة إلى نجوم تمثل الوطن في المحافل الدولية، تجذرت كرة القدم في نسيج المجتمع السعودي بكل فئاته وألوانه.
بقلم علي الشريمي: يوم الكرة العالمي ولغة الجماهير.. ومع هذا الامتداد الشعبي، يبرز سؤال مؤلم: هل اللغة التي نتحدث بها في مدرجاتنا تعكس هذا الوعي؟ للأسف، في بعض الأوقات، نشهد موجات من العبارات التي لا تنتمي للرياضة، ولا تمتّ لأدبها بصلة.
بقلم علي الشريمي: يوم الكرة العالمي ولغة الجماهير.. كلمات قاسية، مثل: «ندعس»، «نجلد»، «نأخذها غصب»، «نكسركم»، «نأخذها طرق» تصدر من بعض الجماهير في لحظات انفعال، لكنها تترك أثرًا عميقًا في النفوس.
بقلم علي الشريمي: يوم الكرة العالمي ولغة الجماهير.. ليست هذه الكلمات مجرد نكات رياضية، بل هي تراكم لغوي يغذي الكراهية، ويُربّي جيلًا يرى في الإقصاء شجاعة، وفي الإساءة بطولة. يوم كرة القدم العالمي ليس مجرد مناسبة لتوزيع الابتسامات والصور التذكارية، بل هو دعوة صريحة لتفكيك هذا الخطاب المتشنج، ولإعادة صياغة العلاقة بين الجمهور واللعبة، على قاعدة الاحترام والتسامح.
بقلم علي الشريمي: يوم الكرة العالمي ولغة الجماهير.. نحن بحاجة إلى خطاب رياضي جديد، تُصبح فيه اللغة جزءًا من جمال المشهد، لا ندبةً في جبينه. التنافس بين الأندية الكبرى مثل الهلال، النصر، الاتحاد، الأهلي، الشباب وغيرها، هو وقود الدوري وروحه. لكن التنافس لا يعني العداء، ولا يجب أن يكون مبررًا للتجاوز. من حقك أن تنتمي، أن تغضب، أن تحتفل، أن تنتقد، ولكن دون أن تُسقط أخلاقك في لحظة حماس. ما أجمل أن نرى مدرجاتنا مليئة، لا فقط بالجماهير، بل بالقيم. وما أروع أن يهتف الجمهور، لا فقط باسم النادي، بل أيضًا باسم الأخلاق، والتسامح، والوطن.
كرة القدم السعودية اليوم أمام فرصة عظيمة، ليس فقط لتصدير اللعب الجميل، بل لتصدير صورة جمهور ناضج، راقٍ، يُشجّع بحب، ويعارض بذوق، ويختلف باحترام. وفي اليوم العالمي للكرة، لنجعل من السعودية منصة تُدرَّس، لا فقط في الأداء والملاعب، بل في الوعي، والنُبل، وروح الرياضة. فالكرة تُركل بالأقدام، نعم، لكنها تُحترم بالعقول وتُعاش بالقلوب.