رئيس مجلس الأدارة
خالد جودة
رئيس التحرير
هند أبو ضيف
هير نيوز هير نيوز
رئيس مجلس الأدارة
خالد جودة
رئيس التحرير
هند أبو ضيف

بقلم أنس الرشيد: في ذكرى الجحفلة

هير نيوز

بقلم أنس الرشيد: في ذكرى الجحفلة.. «الجحفلة» أثرٌ فعلَه الهلالُ بالنصر، لكن ماذا بقي منه في وعي الجماهير والنقاد الرياضيين والإعلام؟ هل هي الكرة التي دخلت المرمى في آخر دقيقة، أم الانهيار الصَّامت لِمَا كان يجب أن يحدث ولكنَّه لم يحدث؟ كان يجبُ أن يفوز النَّصر لكن لم يَفز، هذا ما بقي في الذاكرةِ بعد عشرة أعوام كاملة؛ كان الجميع يتهيأ لختامٍ واضح، فالملعبُ في آخرِ الزمان، سيتوّج النَّصرَ بالبطولةِ لتتجلّى العدالةُ ناصعة، لكنَّ الهلالَ يلعب بعداداتِ الزمن، ويَقلبُ آخرَ الزمانِ إلى أوله، ويجعل التَّاريخَ لعبةً بيد الجحفلة الخفية، الجحفلة التي تسخر من المسار الحتمي لتاريخِ المباراة، لقد سقطَ المعنى الذي امتلأت به الجماهير وهو الشعور بالأحقية، بالحسم، بالإنجاز، بالعدالة. والأثر هنا ليس مجرد تسجيل هدفٍ هلالي، بل علامة لما غابَ في لحظة مفاجئة، غاب الأمان في آخر الزمان، وخُسِفَت الثقةُ بالحتمية، وانهارت السرديةُ الكبرى بثانيةٍ واحدة. وهذا الغياب الذي لم يُعترف به هو ما جعلَ الجماهيرُ الكرويةُ تُسمي هذه الحادثة كأنها مولود جديد، سمتها (جحفلة) على وزن زلزلة، ولم تتركها مجرد حدث بلا اسم، كأي لقطةٍ من لقطات الكرة الكثيرة التي كان لها شأن في الماضي.

بقلم أنس الرشيد: في ذكرى الجحفلة.. الجحفلة التي حدثت في آخر دقيقةٍ من المباراة، تُذكِّر الإنسانَ بأحلكِ دقيقةٍ في حياته، تلك الدقيقة التي تُقاس بما ينهار فيها من تصورات، وما يُعاد فيها من تَعريفٍ للذات؛ فالجحفلةُ (تَحضر) في حَياةِ الإنسانِ كأثرٍ (غائب) لكُلِّ مشاكله النَّفسية، ولأنَّه غائبٌ أصبحَ مجهولًا، أو منسيًا، ولا يُبحَث عنه لمعالجةِ المَرضِ، مرضِ الجسد الذي يُرهِقُ كاهلَ النَّفسِ فيُغرقها في اكتئابٍ غير منقطع، يجعلها تتساءل: ما منبع الجحفلة العميق؟ ما ملعبها الوجودي؟ ما هلالها ونصرها؟ فتجيبه نفسُه على استحياء: «ربما ملعبها البنية التي نعيش داخلها معتقدين أنَّها تحمينا من مفاجآت الطريق، وربما تظهر هذه البنية على صورةِ إيمانٍ بشيء ما، وثقةِ بالهوية، ورهان على الحضور، أو انتظار العدالةِ المطلقة، واليقين بالثوابت». وإن كان ما قالته النفسُ صحيحًا فكل ذلك ليس إلا ميتافيزيقا يوميّة صامتة تُجحفلنا دون إدراكٍ منا، ودون رؤية ما تعمله من ورائنا، إنَّها تعمل كعدسةٍ مخفيّة تُنظِّم ما نَراه، وتُقصِي ما لا يُناسب صورتها. وبهذا المعنى تكون الميتافيزيقا جحفلةً يوميةً نَعيش في دوامتها بلا نهاية، إنَّها الجحفلةُ القديمة الحديثة؛ لأنَّها وعدتنا بالحضور وباليقين والجوهر، والثبات، لكن كُلّ شَيءٍ في يومياتنا يَعمل ضد هذا الوعد؛ فاللغةُ تنزلق في هوةٍ لا قرارَ لها، والعَالم يتغيّر بثوانٍ كما هدف الجحفلي، والجَسدُ يشيخ كما شاخَ النصرُ بانتظار غودو، والأحبة يرحلون كما رحل النَّصر من النَّصرِ في آخر ثانيةٍ من الوجود، والعدالةُ تختفي كما اختفى الفرح من وجوه جماهير النصر بثانية واحدة، فكلَّما صِرنا كالنَّصر نتجهَّز للفوزِ وحملِ اللقب، تُفاجئنا مهارةُ الهلال فتجحفلنا وتُدخلنا من جديدٍ في دوامةِ القَلق.

بقلم أنس الرشيد: في ذكرى الجحفلة.. الجحفلة هي اكتشاف أنَّ البنيةَ الوجوديةَ معطوبة بعد فوات الأوان، الجحفلة لم تُحطِّم النَّصرَ فحسب، بل فَرّغَت الواقعَ الجَديد من تماسُكِه القديم، وجعلته في مواجهة مباشرة مع اللايقين، فلم يَعُد المعنى مضمونًا، ولا اللغةُ مُطَمْئِنَة، ولا الهويةُ صالحة لأن يُبحر بها بين أمواج الوجود؛ لهذا كلُّ اكتئابٍ جاءَ فجأةً دون أن يَطرق الباب، وكل شعور بالخيبة مهما أنجز الإنسان، وكل ارتباكٍ في الحكم على مباراة الوجود، وكل انهيار غير متوقع كدفاعِ النصر، ليس إلا امتدادًا لجحفلةٍ لم نُسمِّها ونعرفها، لكنَّها تُدير مباراتنا مع الحياة كأثرٍ لم يُعالَج.

التفاتة:

بقلم أنس الرشيد: في ذكرى الجحفلة.. ما الذي يجبر الأنظمة القانونية إلى (الالتفات) لمصطلح جحفلة وهي لا تعترف به رسميا؟ إنها فاعلية الأثر، فابحث عنها في كل ما يغيب، ويُنسى.

بقلم أنس الرشيد: في ذكرى الجحفلة

نقلا عن الوطن السعودية

تم نسخ الرابط