بقلم على الشريمي: افتتاح المصمك وأسئلة التراث

بقلم على الشريمي: افتتاح المصمك وأسئلة التراث.. قبل أيام قليلة أعيد فتح متحف قصر المصمك التاريخي في قلب الرياض، بعد تحديثات شاملة في البنية والبرامج والعرض المتحفي، في مشهد يجسّد التقاء الماضي بالحاضر. لكن السؤال الذي يفرض نفسه: هل يكفي افتتاح المتاحف لترسيخ علاقة المجتمع بتراثه؟ أم أن المسألة أعمق، وتتطلب نماذج أكثر حيوية، كما يحدث في كثير من الدول التي لا تملك نصف تاريخنا، لكنها توظفه بكامل أدواتها؟.
بقلم على الشريمي: افتتاح المصمك وأسئلة التراث.. في أوروبا مثلا، لا يُفهم التراث بوصفه مزارًا سياحيًا فقط، بل هو مادة معيشة. في باريس ولندن وروما، نجد التراث متغلغلًا في المدارس، في الأزياء، في المسارح، في الإعلام، في البرامج اليومية. الطفل لا يتعلم فقط من الكتب، بل يزور الأماكن، ويعيد تمثيل المعارك، ويرتدي الملابس التقليدية في الفصول الدراسية، وتُدرَّس له الحكايات الشعبية كجزء من تكوينه. هناك مسرحيات تستند بالكامل إلى وقائع تاريخية محلية، وأزياء معاصرة تُستلهم من تطريزات تعود للقرون الوسطى، وأحياء كاملة تحوّلت إلى «منصات تراث حي» يتفاعل معها السكان والزوار على حد سواء.
بقلم على الشريمي: افتتاح المصمك وأسئلة التراث.. نحن في المملكة نملك ثروة تراثية ضخمة، تمتد من مدائن صالح إلى عسير، ومن نجد إلى جدة التاريخية، لكننا ما زلنا في مراحل متفرقة من تحويل هذه الثروة إلى مادة حيّة تُمارَس وتُنتَج وتُوظّف. نعم، هناك جهود كبرى تبذلها وزارة الثقافة وهيئة التراث ودارة الملك عبدالعزيز، لكن التحدي الحقيقي يكمن في التكامل بين الجهات، وإشراك المجتمع فعليًا، لا كمشاهد، بل كمنتج وشريك.
بقلم على الشريمي: افتتاح المصمك وأسئلة التراث.. نحتاج إلى أن نرى التراث في مدارسنا، وجامعاتنا لا فقط في المناهج، بل في النشاطات. لماذا لا يرتدي طلاب الابتدائي يومًا زيًا تقليديًا شهريًا مستلهمًا من مناطق المملكة؟ لماذا لا تُبنى أنشطة مسرحية مدرسية على قصص الأبطال المحليين؟ ولماذا لا تُعقد مسابقات تصميم أزياء للناشئة مستلهمة من التراث الوطني؟
بقلم على الشريمي: افتتاح المصمك وأسئلة التراث.. أما في الإعلام، فما زلنا نشاهد بعض البرامج التي تتعامل مع التراث كمادة جامدة، تُستعرض في دقائق سريعة، دون الغوص في المعاني أو تقديمها بأسلوب معاصر. في حين أن شبكات مثل BBC أو Arte الأوروبية، تقدم وثائقيات عن التراث تمتد لساعات، تُنتَج بجودة سينمائية، ويعاد توظيفها في المناهج وفي السياحة الثقافية.
نحن بحاجة إلى تحويل التراث من كونه ملفًا «ثقافيًا» إلى مشروع وطني متجدد عابر للوزارات. أن تشارك فيه وزارة التعليم، والثقافة وهيئة المسرح، وهيئة الأزياء، وهيئة الترفيه، ووزارة الإعلام، ضمن خطة واحدة تُعزّز الهوية، وتُوظّف الاقتصاد الإبداعي، وتربط الجيل الجديد بجذوره دون أن يشعر أن الماضي عبء، بل مصدر فخر وإلهام.
افتتاح قصر المصمك خطوة مهمة، لكنه لا يكفي وحده. ما نحتاجه أن نُعيد فتح علاقتنا بالتراث على مستوى التجربة اليومية، لا فقط المتاحف.
أن يكون التاريخ في الدراما، وفي الحي، وفي المدرسة، وفي المسرح، وفي تصميم الثوب الذي نرتديه، لا فقط في جدران المتاحف.