بقلم منصور الضبعان : متلازمة الملائكية
يحاول أي فرد من أي جمع وبسبب قوة الولاء، وتجذر الانتماء، إضفاء صبغة «الملائكية» على هذا الجمع، وأنه الأنقى، والأعلى، والأسمى، من فلسفة أفلاطون ومدينته، و«يوتوبيا» توماس مور، وحتى أصغر طفل في القبيلة، مرورا بجماهير كرة القدم، والتعصب للجنس، والعائلة، والأرض، والمذهب، والدين.
(2)
ومهما حدث من «صدمات»، يتشبث الفرد بـ«ملائكية» الجمع الذي ينتمي إليه، بتسخيف «الكوارث»، والتقليل من أهمية الأخطاء، وعدم الاعتراف بالخلل، والتعامي عن المثالب، و«دمدمة» المعائب، والصمت عن المصائب، وإهمالها مهما تكررت، وتضخيم الإنجاز مهما كان تافهًا، ومهما كان نادرًا!
(3)
نزلت القوانين السماوية، وصنعت القوانين الوضعية، بسبب أنه لا كمال تحت السماء السابعة، ولكن الإنسان الظلوم الجهول، لا يكتفي بالإصرار على أن «الجماعة» التي ينتمي لها تتمتع بملائكية يعز نظيرها، بل يستلزم ذلك أن كل ما سواها هو الأدنى!
(4)
الوعي، والثقافة، والعلم، والمعرفة، والعدل، أركان كافية لتدمير هذا «الفكر» الهش، كذلك الإيمان بأن الإنسان متمرد بطبعه، من التمرد البدائي، وحتى التمرد «الماورائي» الذي يراه «ألبير كامو»، فالإنسان عبد لكلمة «لا»، لذا تعمل القوانين على حمايته - الإنسان- من نفسه.
(5)
لذا كله: يمكن للإنسان «الشفاء» من متلازمة «الملائكية» باعتناق الحقيقة بدءًا، والخضوع للحق، وإنكار الذات، والتواضع، فهذا «الحشد» لا يمكنه أن يكون «مثاليًا» مهما تصنع أفراده.
(6)
يقضي الإنسان عمره في تصحيح الأخطاء، وتجاوز الفشل، والحد من «الحماقات»، أكثر مما يقضيه في تحقيق الأهداف، والطموحات، والنجاح.
(7)
يتعرض أي «مجتمع» لصدمات بسبب غرقه في «الوهم اللذيذ»، و«الحلم الوردي»، و«المثالية»، ولكن المجتمع الرائع هو من يفيق، ويعالج بعقلانية، أما المجتمعات التي شلت الصدمة أركانها، وتركت «الجرح» للعبث، فقد اندثرت، وتهاوت حصونها!