رئيس مجلس الأدارة
خالد جودة
رئيس التحرير
هند أبو ضيف
هير نيوز هير نيوز
رئيس مجلس الأدارة
خالد جودة
رئيس التحرير
هند أبو ضيف

بقلم مها عبدالله: التجاوزات المنهية

هير نيوز

أسوأ ما يمكن أن يحدث لأي مؤسسة هو أن تتحول أنظمتها ولوائحها إلى مجرد «ديكور» معلق على الجدران، بينما الواقع يمارس عكسها تمامًا. هنا تبدأ التجاوزات المهنية في التمدد، وتصبح بيئة العمل ساحة للفوضى المقننة تحت مسمى «المرونة» أو «المجاملة».

خذوا مثلًا، موظف يُكلف بمشروع بملايين الريالات، لكنه يسلمه ناقصًا ومليئًا بالأخطاء، ومع ذلك تُكتب له شهادة شكر لأنه «قريب من الإدارة». أو مسؤولًا يوزع العقود على معارفه، فيغيب معيار الكفاءة لتحضر «المحسوبية». بل إن بعض المؤسسات تحتفل بموظف متأخر عن الحضور، ضعيف الإنتاجية، فقط لأنه يجيد التودد للمدير. هذه الممارسات ليست تفاصيل عابرة، بل هي رسائل صريحة تقول للمنظومة: النزاهة خيار، وليست أساسًا.

الخطر الحقيقي ليس في التجاوز نفسه، بل في تطبيعه؛ حين يبدأ الزملاء بالتبرير: «كل الناس تفعل ذلك»، أو «دعنا نسكت فلا فائدة من الاعتراض». هنا يتحول الانحراف من حالة فردية إلى ثقافة عامة، ويصبح السكوت مشاركة، والتغاضي مشاركة، فيسقط ميزان العدالة.

المؤسسات التي تسمح بهذه الممارسات تخسر رأس مالها الأهم: السمعة والثقة. فما جدوى إنفاق الملايين على حملات تسويق وصورة براقة إذا كان الداخل مهترئًا؟ المجتمع يرى ويسمع، والمتعاملون يكتشفون سريعًا أن «الواجهة المضيئة» لا تخفي العطب العميق.

الحل ليس في «محاضرات أخلاقية» ولا في لوائح تُكتب ثم تُركن على الأرفف، بل في إرادة حازمة تبدأ من القمة. أن يُحاسَب المدير قبل الموظف، وأن تتوقف الاستثناءات مهما كان موقع الشخص أو قربه من أصحاب القرار. العدالة إذا اختلت مرة، فلن تعود بيسر.

التجاوزات المهنية لا تُبنى في يوم، لكنها كفيلة بهدم مؤسسة في لحظة. الفرق بين مؤسسة ناجحة وأخرى متآكلة هو أن الأولى تعد النزاهة خطًا أحمر، بينما الثانية تكتفي بالتبرير حتى تغرق في دوامة لا خروج منها.

نقلا عن الوطن السعودية

تم نسخ الرابط