بقلم مريم النويمي: اختيار الاسم والهوية النفسية
(إيش راح تسميه أو تسميها؟)، سؤال اعتدتُ طرحه على أمهات مرضاي عند الخروج، كي أدعوها بأم فلان، وأشوف فلان في العيادة في يوم كذا. العلاقة بيني وبين أمهات مرضاي، طويلة، تبدأ منذ دخول المولود حتى خروجه، وبالذات في حالات الخدج تطول فترة التنويم التي قد تمتد لأشهر، تتعمق فيها العلاقة بأم المريض، أعرفها، أعرف ظروفها ونتعاون سوياً. العلاقة بين الطبيب والأهل مهمة جداً، طرحت سؤالي على إحدى الأمهات، قضت معي وقتاً ليس بقصير، عند خروج طفلتها، إيش راح تسمي بطلتنا؟ أجابت «مارلين». اسم أعجبها لكنها لا تعرف معناه، قلت لها فكري، أشهر من حملت هذا الاسم سيرتها غير محمودة، فكري في اسم يرافق بنتك طوال عمرها، إمّا قدوة طيبة أو معنى جميلا، نصيحة قدمتها بحب وانصرفت، وحينما راجعت الطفلة العيادة هذا الأسبوع وجدت اسمها (دانية)، كم هي جميلة دانية، حفظها الله لوالديها وبارك فيها، الأخذ بالنصيحة خيار وليس إجبارا، ولطفٌ من الأم أخذها بكلامي، وربما لم يُقبل في الأحوال المدنية، بكل الأحوال نجت الطفلة منه بفضلٍ من الله.
يُقال إن الإنسان يُولد مرتين، مرة حين يخرج إلى الحياة، ومرة حين يُمنح اسمًا، فالاسم ليس مجرد وسيلة للتعريف، بل هو أول رمز يلتصق بالذات، وأول كلمة تعكسها مرآة المجتمع، الاسم جزء من الهوية، يسمعه الإنسان منذ طفولته، ويرتبط في وعيه بذاته، فإذا كان جميلًا أو ذا معنى إيجابي، يعزز الثقة بالنفس والقبول الذاتي، أما إن كان غريبًا أو مثارًا للسخرية، فقد يسبب إحراجًا أو شعورًا بالنقص خصوصًا في مرحلة الطفولة.
في المجتمعات العربية والإسلامية، للاسم قيمة رمزية وروحية، فاختيار أسماء الأنبياء أو الأسماء ذات المعاني الطيبة يُشعر الشخص بالفخر والانتماء إلى معانٍ سامية، وفي الثقافة العربية، الاسم يُختار غالبًا ليدل على الأصل، القبيلة، الدين، أو القيم الأسرية، فهو ليس قرارًا فرديًا فقط، بل بيان انتماء اجتماعي وثقافي، لذلك قد يشعر بعض الأفراد بالارتباط القوي بأسمائهم لأنها تمثل تاريخ العائلة أو فخر النسب، كثير من الأسر تختار أسماء أبنائها تبعًا للعادات أو لتكريم الجدّ أو الجدّة، وهذا يخلق نوعًا من الاستمرارية الرمزية بين الأجيال، لكنه أحيانًا قد يسبب صراعًا نفسيًا إذا كان الاسم لا يعبّر عن هوية الجيل الجديد. الناس عادةً يحكمون على الآخرين من أسمائهم قبل معرفتهم، فالأسماء الرنانة أو الشائعة في الطبقات الراقية قد تخلق انطباعًا بالوجاهة أو القوة، بينما الأسماء النادرة أو القديمة قد تُثير فضولًا أو استغرابًا.
مع العولمة، بدأ الناس يميلون إلى اختيار أسماء عصرية أو أجنبية لإبراز الانفتاح والتميز، لكن هذه الظاهرة قد تُحدث صدامًا ثقافيًا بين الأجيال، وتؤثر في إحساس الفرد بالانتماء. وفي علم النفس، الاسم يُعد أحد المكونات الأساسية لهوية الفرد عندما ينادى باسمه، يتفاعل دماغه في مناطق مسؤولة عن الانتباه والانتماء الذاتي (بحسب دراسات تصوير الدماغ). أي أن الاسم يذكّر الإنسان (بمن هو)، ويعيد ربطه بصورته الداخلية عن نفسه. هناك نظرية تُدعى التسمية والتوقع (Labeling Theory) تنص على أن الأسماء والصفات التي يُطلقها المجتمع على الفرد تؤثر في سلوكه وتكوينه النفسي، فإذا كان للاسم دلالات إيجابية (سعيد، عادل، كريم) يميل الفرد إلى تبنّي سلوكيات تتناسب مع معنى اسمه، أما إذا كان الاسم يحمل دلالات سلبية أو يُرتبط بالسخرية، فقد يؤثر في تقدير الذات ويغذي الشعور بالنقص أو الانطواء. وتشير دراسات علم النفس الاجتماعي إلى أن الأسماء يمكن أن تؤثر في القرارات اللا واعية، فالأشخاص يميلون إلى تشكيل انطباعات أولية بناءً على الأسماء، مما قد يؤثر في الفرص التعليمية والمهنية وحتى العلاقات الشخصية.
يبقى الاسم أول هدية يتلقاها الإنسان من العالم، وقد تكون أجملها أو أثقلها، فاختيار الأسماء ليس قرارًا لغويًا فقط، بل هو فعل ثقافي ونفسي يحمل في طيّاته رسالة عمن نريد أن نكون، وإلى أي هوية ننتمي.
فالاسم الجميل لا يزيّن المظهر فحسب، بل يغذّي الروح، ويمنح صاحبه شعورًا بالاعتزاز والتوازن بين ذاته ومجتمعه.
يبقى الاسم أول هدية يتلقاها الإنسان، فاختيار الأسماء ليس قرارًا لغويًا، بل فعل ثقافي ونفسي يحمل في طيّاته رسالة عمن نريد أن نكون، وإلى أي هوية ننتمي.
نقلا عن الوطن السعودية