رئيس مجلس الأدارة
خالد جودة
رئيس التحرير
هند أبو ضيف
هير نيوز هير نيوز
رئيس مجلس الأدارة
خالد جودة
رئيس التحرير
هند أبو ضيف

بقلم مريم النويمي: حين يسبق الطب المرض بخطوة

هير نيوز

لم يعد التشخيص المبكر في الطب ترفًا علميًا، بل أصبح ضرورة حتمية في عصر تتسارع فيه الأمراض المزمنة والمعقّدة، وتتزايد فيه الأعباء على الأنظمة الصحية، وفي هذا السياق، يبرز الذكاء الاصطناعي كأحد أكثر الأدوات تأثيرًا في إعادة تشكيل مفهوم التشخيص، ناقلًا الطب من مرحلة اكتشاف المرض إلى مرحلة التنبؤ به قبل أن يظهر.

اعتمد الطب التقليدي لعقود طويلة على خبرة الطبيب، علمه، الملاحظة السريرية والنتائج المخبرية والتصويرية، وربط الأعراض بالتحاليل والصور، ورغم أهمية هذا الدور الذي لا غنى عنه، إلّا أن الذكاء الاصطناعي أضاف بُعدًا جديدًا قائمًا على تحليل كميات هائلة من البيانات خلال ثوانٍ، وهو أمر يتجاوز القدرات البشرية، ويستخلص أنماطًا دقيقة قد لا تكون مرئية حتى لأكثر المختصين خبرة. لا يعمل الذكاء الاصطناعي عشوائيًا، بل يعتمد على البيانات الصحية في السجلات الطبية الإلكترونية للمرضى، الفحوصات المخبرية، المعلومات الجينية، ونمط الحياة.

وعندما تُدمج هذه المعلومات وتُحلل، يصبح بالإمكان بناء صورة شاملة للمريض، لا تقتصر على مرضه الحالي، بل تمتد لتقدير مخاطر مستقبلية محتملة، وهنا ينتقل الطب من العلاج إلى الوقاية، ومن الانتظار إلى الاستباق.

أحد أهم إسهامات الذكاء الاصطناعي يتمثل في قدرته على اكتشاف المرض قبل ظهور أعراضه الواضحة، فمع تحليل الصور الطبية، كالأشعة المقطعية أو الرنين المغناطيسي، تستطيع الأنظمة الذكية رصد تغيّرات مجهرية في الأنسجة تشير إلى بدايات مرضية مبكرة، وأثبت فعاليته في التنبؤ بالالتهاب، أمراض القلب، وبعض السرطانات، عبر قراءة مؤشرات حيوية وتحاليل مخبرية قد تبدو طبيعية، لكنها تحمل دلالات خفية عند تحليلها بشكل دقيق وربطها بالقاعدة الجينية والوراثية ونمط الحياة. التنبؤ بالمرض قبل ظهوره سريريًا، يصنع الفرق بين تدخل مبكر ونجاة، أو تأخر وحدوث مضاعفات. في الأقسام الحساسة مثل وحدات العناية المركزة، تتجلّى أهمية التشخيص المبكر، فالذكاء الاصطناعي قادر على متابعة التغيرات الدقيقة في العلامات الحيوية والتنبيه إلى تدهور وشيك قبل أن يلاحظه الطاقم الطبي.

لا تقتصر فوائد الذكاء الاصطناعي على تحسين دقة التشخيص وسرعته فحسب، بل تمتد إلى تقليل الأخطاء الطبية الناتجة عن الإرهاق أو ضغط العمل، تحسين توزيع الموارد الصحية، تقليص مدة الإقامة في المستشفيات وخفض التكاليف طويلة الأمد عبر الوقاية والتدخل المبكر.

ورغم هذه الفوائد للذكاء الاصطناعي ودوره في الرعاية الصحية، إلّا أنه يثير كثيرا من التساؤلات، من يملك القرار النهائي؟ هل نضمن صحة الخوارزميات وعدم تحيّزها؟ وكيف نحمي خصوصية بيانات المرضى؟ هذه التحديات تؤكد أن الذكاء الاصطناعي يجب أن يعمل ضمن إطار أخلاقي وتشريعي واضح. بكل المقاييس، لا يشكّل الذكاء الاصطناعي تهديدًا للممارسة الطبية، بل يمثل شريكًا ذكيًا يعزز قدرات الطبيب، ويمنحه رؤية أوسع وأدق. التشخيص المبكر المدعوم بالذكاء الاصطناعي هو خطوة نحو طب أكثر إنسانية ولطفًا، لأنه يختصر المعاناة، ويمنح المرضى فرصة أفضل للعلاج والحياة.

ويبقى الذكاء الاصطناعي مفتقدا للبعد الإنساني، ولا يفهم الظروف الاجتماعية أو النفسية للأسرة، ولا يتحمّل المسؤولية الأخلاقية للقرار الطبي، ودوره الحقيقي هو دعم الطبيب لا استبداله، والتنبيه لا الوصاية، فهو لا يقرّر بدلا عن الطبيب، لكنه قد يكون السبب في أن يصل الطبيب في الوقت المناسب، هو لا يعالج المرض، لكنه يمنح الطب القدرة على أن يسبقه بخطوة.

نقلا عن الوطن السعودية

تم نسخ الرابط