الثلاثاء 10 ديسمبر 2024 الموافق 09 جمادى الثانية 1446
رئيس مجلس الإدارة
خالد جودة
رئيس مجلس الاداره
خالد جوده

بريد «هير نيوز».. تجربة فاشلة

الخميس 20/يناير/2022 - 08:01 ص
هير نيوز

الابتسامة الساحرة

الابتسامة الساحرة

أرسلت إحدى القراء رسالة إلى بريد «هير نيوز»، قالت فيه: "لم أجد غير بابك أقدم منه تجربتي لكل فتاة لعلها تستفيد بها فلقد وجدت نفسي الصغرى بين 4 بنات نعيش مع أمي أما أبي فقد توفاه الله وأنا طفلة في المهد فلم أعرف عنه شيئًا سوى أنه ترك لنا ميراثًا يكفل لنا الحياة الكريمة.

 

ولأني أصغر إخوتي، فقد نشأت مدللة، وشققت طريقي في التعليم إلى أن تخرجت وتسلمت عملا في إحدى الهيئات الدولية العاملة في مصر، وفي عملي ظللت كما كنت طوال دراستي الفتاة التي يصعب أن يلفت نظرها أي شاب ، وكان عملي يقتضي مني أن أتعامل مع إحدى الهيئات الحكومية.. فتعرفت على شاب في مثل عمري بدأ يشد انتباهي إليه بحديثه الشيق العذب في كل مجالات الحياة ، وبعد 9 شهور من تعرفي به فوجئت به يطلب تحديد موعد لمقابلة أسرتي.. فسعدت بذلك سعادة طاغية ، ونقلت رغبته لأسرتي فالتفوا حولي في مرح وكلهم سعداء بسعادتي .

 

 

العريس المرفوض


وطلبت أمي بيانات عن هذا الشاب لتطلب من عمي أن يسأل عنه.. وتعجبت من ذلك ولم أر له داعيا لأن مظهره وأحاديثه يؤكدان أنه شاب على خلق ومن أسرة طيبة ، لكن نتيجة التحريات جاءت العكس تماما ، فرفضت أمي الموافقة عليه وتضامنت معها شقيقاتي وكل أفراد أسرتي ، وخيرتني أمي بين أسرتي وبين الزواج من هذا الشاب الغريب عنا.. فوجدتني أختار هذا الشاب وواجهته بكل المعلومات التي أخفاها عنا وأبلغته بعد ذلك أنني قد تجاوزت عن كل ذلك ، وأنني اخترته.. وأنني سأكون زوجته التي حرمت من كل أسرتها لتعيش معه فابتسم ابتسامة ساحرة.. ومرت السنوات ولم أستطع حتى الآن أن أنساها ولا أن أنسى تأثيرها في حياتي وأمسك فتاي بيدي وأكد لي أنه سيعوضني عن فقدي لأسرتي وأصدقائي ، فبدأت أستعد للزواج وبعت ميراثي عن أبي لأن أمي قبضت يدها عني وأعلنت أنها ستحرمني من ميراثها ، واستأجرت بنقودي شقة مناسبة وقمت بتأثيثها كاملة على نفقتي لأن خطيبي لم يكن يملك مليما واحدا يسهم به في التكاليف.

 

أيام جميلة برغم غضب الأم


 

وعشت أياما جميلة وأنا مشغولة بإعداد الشقة وشراء الأثاث وإعداد الستائر ، ولم أنتبه كثيرا لخصام أمي لي وغضبها الصامت على رغم وجودي معها في بيت واحد ، ولا إلى تجنب شقيقاتي لي إرضاء لها وسخطا على تصرفاتي.. فلم يكن في خيالي طوال هذه الأيام المشحونة بالهموم اللذيذة سوى زوجي وابتسامته الساحرة وقلبي الذي خفق بالحب له لأول مرة في حياتي .

 

 

وانتهيت من إعداد الشقة وتم الزواج وقاطع أهلي زفافي ، كما قاطعوا استعدادي للزواج وزففت إلى زوجي وغردت عصافير السعادة في عشنا الجميل ومرت الأيام الأولى رطيبة محملة بالحب والسعادة .

 

الزوج الغاضب

 

وبعد شهر واحد بدأ زوجي يثور ويفقد أعصابه لأتفه الأسباب ولم يزعجني ذلك في البداية لكني انزعجت بشدة حين ثار بعد أيام بسبب تافه فإذا به يسبني ويسب أسرتي وعائلتي بأفظع السباب ثم اندفع يحطم محتويات الشقة الجميلة.

 

 

ووقفت مذهولة.. وبكيت كما لم أبك من قبل.. ورغم ذلك فحين اعتذر لي بعد ساعات صالحته وغفرت له ما فعل.. وأملت ألا يعود إلى ذلك مرة أخرى.. لكن الهدوء لم يطل أياما قليلة.. وأصبحت هواية زوجي الذي بعت أسرتي من أجله هي أن يثور لأتفه سبب ثم يصفعني ويركلني ويضربني بوحشية.. فإذا ذكرته من بين دموعي بأني وحيدة ولا أحد لي في الحياة غيره وأني هجرت أهلي من أجله أجابني بقسوة بأن ذلك هو خير ما فعلت لكي ينفرد بي ويفعل بي ما يشاء !

 

بداية التنازلات

 

وبعد شهور من زواجنا أحضر زوجي أباه وأمه ليعيشا معنا من الحي الشعبي الذي يعيشان فيه لأنهما لا يطيقان بعده عنهما ، فلم أمانع في ذلك بل لعلي أملت في أن يسهم وجودهما معنا في حمايتي من أذاه الذي أصبح يتكرر كل يوم تقريبا ولم أمانع أيضا في الاستجابة لطلب زوجي أن أستقيل من عملي لأتفرغ لرعايته ورعاية أبويه واستقلت وفقدت راتبي فحاولت تعويضه عن طريق بيع ميراثي عن أبي جزءا فجزءا كلما ضاق بي الحال .

 

 

ومع كل ذلك لم يسهم وجود أبويه معنا في حمايتي.. ولم يكف زوجي أذاه عني كل يوم.. وعرفت من أبويه أن هذه العصبية الهوجاء هي طابعه منذ طفولته لكنه أخفاه عني بابتسامته الساحرة وحديثه المنمق.. ثم صعقت حين ضربني مرة فاستغثت بأبيه لينقذني من بين يديه فإذا به يجيء وبدلا من أن يحميني منه ينضم إليه ويحاول هو الآخر ضربي !

 

الهوان

 

في هذه اللحظة فقط أدركت لأول مرة عمق الهوان الذي رضيته لنفسي واستقر الحزن واليأس في أعماقي ، وتصادف بعدها بأيام أن التقيت بإحدى قريباتي فأبلغتني بأن أمي قد انتقلت إلى رحمة الله منذ شهور بعد أن مرضت بالشلل عقب زواجي.. فارتج جسمي كله وصرخت بدون أن أدري وانهمرت دموعي كالمطر فلم تتمالك قريبتي نفسها وشاركتني البكاء.. وظللت أبكي بلا انقطاع حتى عدت إلى البيت .

 

ومرت الأيام حزينة وصورة أمي لا تفارق خيالي ودموعي لا تتوقف عن الجريان ، وأعطاني حزني على أمي قوة لم أكن أستشعرها في نفسي من قبل فبدأت لأول مرة بعد عامين من الهوان أرفع صوتي في وجه زوجي وأدافع عن نفسي وأثور لكرامتي ولآدميتي اللتين أهدرهما .

 

اقرأ أيضًا..

بريد «هير نيوز».. ظلال النسيان



طلب الطلاق

 

وتجرأت ذات مرة فطلبت منه الطلاق ففوجئت به يوافق في نفس اللحظة وبلا أي ممانعة فتنازلت له عن حقوقي وعن الأثاث وعن الشقة نفسها التي استأجرتها باسمي وقمت بتغيير عقدها لصالحه وطلقني زوجي ولم ينس أن يودعني ونحن في مكتب المأذون بكلمات شامتة قاسية كشفت لي سر موافقته السريعة على الطلاق.. فقد أبلغني أنه طلقني لأنه تأكد من أن أمي قد حرمتني من ميراثها.. ثم قال لي: هيا يا بنت الأكابر عودي إلى أهلك ذليلة لتعيشي خادمة عند شقيقاتك بعد أن فقدت كل شيء وتحجرت عيناي.. .وضاع صوتي.. فلم أرد عليه ولم ابك ثم غادرت مكتب المأذون وحزن الدنيا في داخلي ولا يخفف منه شيء سوى أن الله سبحانه وتعالى قد أكرمني بعدم الإنجاب منه.. .لطفا منه وكرما .

 

عودة ذليلة

 

وعدت إلى بيت أسرتي ذليلة مكسورة القلب والكرامة وخالية الوفاض أيضا بعد أن بعت آخر ما بقي من ميراث أبي فإذا بي أجد شقيقاتي وأزواجهن وأولادهن يستقبلونني بالدموع والأحضان والقبلات وكأني عائدة من سفر طويل وإذا بهم جميعا حولي يخففون عني آلامي ويواسونني وتصر شقيقتي الكبرى على ألا تدعني في بيت الأسرة وحدية وأن تصطحبني لأعيش معها.. وأقمت معها .

 

وبدأت أضمد جراحي وأنشغل عن آلامي بالحديث معها ومع أولادها وزوجها وبرؤية صديقات العمر اللاتي انقطعت عنهن.. وبعد فترة قصيرة فاجأني زوج شقيقتي بأنه قد نجح في إعادتي إلى وظيفتي السابقة لكي أشغل نفسي بعمل مفيد ، وعدت للعمل وشكرته كثيرا وبعد أيام أخرى فاجأني مرة أخرى بأن كل ما بعته من ميراث أبي قد اشتراه لي عن طريق وسطاء وأعاد تسجيله باسمي لأنه بخبرته في الحياة قد عرف أن زواجي بهذا الشاب لن يطول وأنني سأعود إلى أسرتي مهما طال الوقت.. وحين تساءلت متحيرة وكيف لي أن أسدد ثمن هذا الميراث.. فاجأتني شقيقتي الكبرى بما لم أتوقعه أو أحلم به وهي أنها قد اتفقت مع شقيقاتي على تجنيب نصيبي من ميراث أمي الذي وزع عليهن.. ليكون لي لأنهن رأين في ذلك حقا ليس لهن .

 

 

ولأنه لن تهنأ لهن حياة وأنا محرومة وهن يملكن ما كان يجب أن أملكه، ولأن زوجها أيضا جزاه الله كل خير قد رفض أن يدخل على بيته وأولاده هذا المال الذي هو من حقي كما قال فتكلمت دموعي نيابة عني ولم أجد ما أقوله وازداد همي بحرماني من مودة أهلي وشقيقاتي خلال هذه التجربة البشعة..

 

ولم يمض وقت طويل حتى عرضت علي شقيقتي وزوجها الزواج من اقرب أصدقائه وهو رجل فاضل بكل بمعنى الكلمة توفيت زوجته وتركت له صبيا صغيرا فقبلت الزواج منه وأحببت ابنه كما لو كان ابني وأكثر.. وتزوجته.. فعرفت معنى آخر للسعادة الزوجية القائمة على الاحترام والرقة والمودة واحترام مشاعر الطرف الآخر.. وبعد عام أنجبت ولدا فأصبح لي ولدان يتقاسمان قلبي مع أبيهما الذي أنساني بعطفه وحبه وكرم أخلاقه ما بقي في روحي من آثار التجربة القديمة..

 

وكبر ولداي وتقدما في مراحل الدراسة وفي العمر وأصبحت أفخر بهما وبتفوقهما العلمي وهما في مدارج الشباب وحرصت على أن اعلمهما درس حياتي وهو ألا يخدعا أبدا فتاة وألا يساعدا أبدا فتاة على الخروج على طاعة أهلها بالكلام المعسول فيهدما سعادة أسرة متحابة كسعادة أسرتي التي هدمتها ويدميا قلوب آباء وأمهات كما أدميت أنا قلب أمي فماتت مريضة حسيرة وقلب عمي – رحمهما الله – وغفر لي ما قدمت من ذنبي وما أخرت .

 

وأرجوا أن أؤكد لك أني لا أقصد بكلامي هذا البسطاء الشرفاء الصادقين مع أنفسهم ومع الآخرين.. وإنما أقصد المخادعين من كل الفئات فهؤلاء هم النوع الرديء من البشر مهما كان مستواهم الاجتماعي وهؤلاء هم من أوجه نصيحتي لكل فتاة أن تحترس منهم.. وبأ لا تتزوج بعيدا عن موافقة الأهل أبدا ولها في تجربتي ما يغنيها عن كل سؤال .

 

ولكاتبة هذه الرسالة أقول

 

لست أذكر من الذي قال صادقا إن كل إنسان في الوجود مهما كان مستوى تعليمه يستطيع أن يؤلف كتابًا واحدًا على الأقل إذا روى بأمانة وصدق قصة حياته .

 

وقد ألفت كتابك بالفعل يا سيدتي، وهو كتاب قيم عشنا معك بكل سطوره فرأيناك وأنت فريسة لنقص التجربة وعدم نضج المشاعر والاندفاع العاطفي والعناء مع الأهل.. ورأيناك وأنت تدفعين الثمن غاليا من كرامتك وسعادتك ، ثم رأيناك وقد جاء مساء الحياة يحمل معه مصباحه ليعيد إليك الثقة في الخير والبشر والعلاقات الإنسانية والعلاقات الأسرية المثالية.. إنها ثنائية الحياة الأزلية الخير والشر.. ولقد أسعدتنا صور الخير فيها كما أشقتنا صور الشر والانتهازية البشعة فيها .

 

 

ولكل تجربة مريرة في حياتنا ثمن غال ندفعه من دمنا وأعصابنا ورصيدنا المتناقص من الأيام .

 

 الخير والشر

 

فإذا كان لي أن أضيف إلى رسالتك شيئا فهو فقط أن الخير والشر لا يرتبطان بالمستويين الاجتماعي والمادي للبشر وإنما بالمستويين الأخلاقي والديني لهما ولعلك تنبهت أنت لذلك في سطورك الأخيرة من الرسالة.. أما نداؤك الأخير لكل فتاة بألا تخرج على طاعة أهلها.. فهو نداء له قيمته وقد قلت مرارا إنك ضد الزواج الذي يدفع الإنسان ثمنه بأن يقطع كل ما بينه وبين الأهل تماما فيجد نفسه وحيدا تماما في الحياة ما لم يكن موقف الأهل شديد التعسف وبلا سند من منطق أو دين ومثل هذا الموقف عادة لا يجمع عليه الأهل كلهم.. وإنما يكون هناك دائما من يرفضه منهم ومن يتعاطف مع عدالة مطلب الابن أو الفتاة ومن يسهم – ولو بعد حين – في تذليل معارضتهم ومع ذلك فمن الأفضل دائما أن يحصن الإنسان سعادته برضاء الأهل وقبولهم وموافقتهم.. وأن يبذل غاية جهده في سبيل ذلك وبلا يأس.. ولابد في النهاية أن يمنحوه تأييدهم.. لأنهم لا يبغون في النهاية إلا سعادته..

والحب الحقيقي الصادق يا سيدتي هو الذي يكتشف وجه الحياة الجميل النقي لكن سوء حظك قد شاء ألا تصادفيه في تجربتك الأولى المريرة وأن تصادفي بدلا منه صيادا للفرص لم يدخل الحب لحظة في حساباته .

فاشكري أقدارك أنك لم تنجبي منه.. واسعدي بما أوتيت وشكرا لك على رسالتك .

 

اقرأ أيضًا..

ads