السبت 04 مايو 2024 الموافق 25 شوال 1445
رئيس مجلس الإدارة
خالد جودة
ads
رئيس مجلس الاداره
خالد جوده

علا محمد تكتب: غفران

الأحد 28/أغسطس/2022 - 12:23 م
هير نيوز


"حساب مؤجل ليوم القيامة 31 ألف جنيه"


عبارة كتبها أحد اصحاب المحلات على صفحة أحد المتوفين حديثًا، وعندما طالبه الناس بمسامحة الرجل ذكر أنه كان بمقدوره سداد دينه وهو حي كان يماطل ويتجاوز بكلمات مسيئة أمام الناس، وكان السؤال هل ستسامح المتوفى لو كنت مكان الرجل؟


استوقفتني كثيرًا تعليقات من نوعية: لن أسامح، يسد أهله الدين قبل توزيع الإرث وبعض عبارات السباب في حق المتوفى وكذلك في حق كاتب المنشور، لكن ما استوقفني حقًّا كانت عبارة من عفى وأصلح فأجره على الله، ليس استهجانًا أو استنكارًا لكلام الله، لكنها وقفة للتأمل، فكلنا وقت الغضب نكون بمثابة ثورٍ هائج فنسب ونشتم، ربما نلعن وبعض منا يلجأ للعنف الجسدي كتنفيس عما يعتمل في نفوسنا من سواد الحنق والغضب حتى نهدأ بعد أن تسدل الستار وتنطفئ أنوار المسرح وينصرف الجمهور الذي يصفق للعرض المسرحي الدرامي.. 


نفكر فنكتشف ما اقترفناه في حقنا قبل أن يكون في حق المتسبب في انفجار البركان، هكذا هي النفس السوية تثور وتغضب ثم تهدأ لتلعق جرحها حتى يلتئم من تلقاء نفسه وربما تشارك في تضميده وتجلس لتتابع اندماله، تمر ساعات، أيام وربما سنوات كل حسب طبيعته حتى يستطيع الانسان نسيان ما كان ولكن ليكون التئام الجرح بلا علامة ظاهرة تذكرنا بأنه كان هنا لا بد من العفو والغفران، ذلك الترياق الذي يطهر النفس من أدرانها فيعيدها لطبيعتها السالمة المنزهه عن الأذى.. 


لكن الغفران، تلك الكلمة الصغيرة السهلة في كتابتها، صعبة جدًّا في تنفيذها، شاقة على النفس تبعاتها تحتاج لطاقة انسانية لا يُلقَّاها إلا ذو حظٍ عظيم، ذلك القادر على ترويض نفسه وكسر غرورها وإحساسها بالعظمة بغير كسر للروح واعتدادها بنفسها، أن تقول قد غفرت وتجاوزت لهو قول لو تعلمون عظيم وياحبذا لو اقترن بتصديق العقل ولين القلب وصفاء السريرة، أن تمتلك القدرة على إماطة أَسْوَد الكره والضغينة بل وتمتلك اللون القادر على محو الحلكة والعتمة من شغاف روحك وقلبك لهو بحق فعل القادرين، كل ذلك يقترن بالقدرة، فالذي يقدر على الانتقام وتواتيه الفرصة فيتجاوزها ويعفو هو فقط من نتكلم عنه لا عن عفو الضعفاء المضطرين، فذلك ليس بعفو وأراه في نفسي ضرب من التخاذل والخنوع، إغضب كما تشاء واضرب وحطم ومارس كل الطقوس لكن بعدها فكر بروية وقرر بتأنٍ ماذا بعد؟ وقتها ستعرف نفسك وتمسك بزمامها، وقتها فقط ستعرف ماذا ستكتب في تعليقك على مثل تلك المنشورات، هل الغفران؟


أم له ما له وعليه ما عليه وعند الله تجتمع الخصوم؟

ads