رئيس مجلس الأدارة
خالد جودة
رئيس التحرير
هند أبو ضيف
هير نيوز هير نيوز
رئيس مجلس الأدارة
خالد جودة
رئيس التحرير
هند أبو ضيف

بقلم ميسون الدخيل: مجرد قرار أن تكون أو ألا تكون

هير نيوز

اليوم، أجد نفسي مضطرة لمخاطبة الذات - «النفس»، الـ«أنا». في عالمٍ مليءٍ بالفوضى والمعاناة، لطالما انغمستُ وتعمقت في الوثائق التاريخية وحاولت أن أقدمها للقراء مع شرح أهمية ربطها بالأحداث الجارية، معتقدةً أن مشاركة المعرفة قد تُحفّز تغييرًا في إدراكنا. لكن، في خضمّ هذا الفيضان الهائل من المعلومات الجانبية والتفاهات التي حولت الانتباه والتركيز على إسعاد وراحة الذات، أدركتُ أن ثمة حاجةً إلى نهجٍ مختلف... لعل وعسى!

هذه المرة، أريد أن أبدأ من نقطةٍ تلامس وجدان الكثيرين منا... آمل أن أتواصل مع غريزة الحفاظ على الذات التي أصبحت جوهريةً في حياتنا؛ إنها استجابةٌ طبيعيةٌ لعالمٍ غالبًا ما يبدو ثقيلًا تصعب السيطرة عليه. ومع ذلك، بينما أتأمل في احتياجاتي الخاصة، لا أستطيع تجاهل الواقع الصارخ لمعاناة «الآخر» - الأطفال الذين لا صوت لهم، والأمهات الثكالى، والعائلات التي مزقها الظلم والجوع. آمل أن أتمكن، من خلال البدء بالجانب الشخصي، من سد الفجوة مع الجانب الجماعي.

لعلّ هذه المرة، أتمكن من الوصول إلى الروح الإنسانية الكامنة فيكم، لذا أدعوكم إلى إدراك حقيقة أن رفاهنا الفردي مرتبط ارتباطًا وثيقًا برفاهية الآخرين. حينها فقط يمكننا أن نحتضن إنسانيتنا المشتركة ونستجيب لصرخات المتألمين.

 

كثيرًا ما نقول لأنفسنا: «هناك دائمًا متسع من الوقت»؛ وقتٌ لنُقدّر من نُحب. وقتٌ لنُغذّي أحلامنا. وقتٌ للتعبير عن المشاعر الدفينة في أعماق قلوبنا -ولعلّ في ذلك بعض الحقيقة- ولكن ربما... الأمر ليس كما يبدو لنا ! ففي الواقع، لا نعرف حقًا كم لدينا من الوقت، الوقت لا يتوقف ولا يتراجع؛ بل يتدفق بثبات، كنهرٍ يحمل الأحلام والآمال، ولكن أيضًا الحزن واليأس. نعم نقيس الحياة بالسنين، ونحتفل بالمناسبات والإنجازات، لكن الحياة ليست مجرد تواريخ، إنها لحظاتٌ عابرة - لحظاتٌ يُمكنها أن تُغيّر حياتنا أو تُغيّر مسار من حولنا.

والحقيقة الأصعب هي... أننا لا نعرف أبدًا كم تبقى لنا من لحظات؛ قد نشهد لحظات شروق شمس لا تُحصى، ترسم ألوانها لوحات في كبد السماء، أو نحظى بنظرة أخيرة، لمحة أخيرة تُحفر في الذاكرة، وقد نسمع صوت من نحب مراتٍ عديدة، أو ربما نسمعه للمرة الأخيرة، غير مدركين ثقل وأهمية ذلك الوداع، من منا لا يسعى جاهدًا ليكون دائمًا حاضرًا في حياة من يحب، أن يحتضنهم، يشعرهم بالدفء والحنان، يشاركهم ضحكاتهم... يسطر في حياتهم الذكريات الجميلة؟ ولكن... ماذا يحدث عندما تخترق صرخات العالم شرنقة سعادتنا؟ عندما يتردد صدى صراخ الأطفال الجائعين في الوجدان؟ عندما تشاهد الأمهات أطفالهن يذبلون أمام أعينهن، والحياة تتسرب ببطء.. بألم، من أجسادهم الهشة؟ هل يكفيك حرصك والعالم الخارجي مليءٌ بهذا الكم الهائل من الأحزان ؟

قد لا تزال لديك فرصة لتقول للأمهات الثكالى: «أراكن» أو «أقف معكن»؛ لتقدم لهن الدعم... لكن تلك اللحظات تمر سريعًا، نحسبها لحظات وهي عمر، لكنها تمر غالبًا دون أن نلحظها، وبمجرد أن تتلاشى، تزول إلى الأبد... نعيش كما لو أننا نملك الخلود، نؤجل أفعالنا، ونفكر: «سأمد يدي غدًا»... «سأُقدم صوتي الأسبوع المقبل»... «سأتبع قلبي عندما تستقر الحياة»، ولكن... ماذا لو لم تستقر الحياة أبدًا؟! ماذا لو لم يأتِ الغد كما نأمل؟ ماذا لو تلاشت صرخات الأبرياء في صمت، دون أن يُسمع لها أو يُعترف بها؟ هذه اللحظة، هذا النفس تحديدًا، قد يكون فرصتك الأخيرة للتحرك، للفعل، من أجل الأبرياء الذين أزهقت أرواحهم في عنف لا تفسير له سوى الهمجية، لتُحب بكل صدق وبلا تحفظ، لأن تركز على هدف واحد ولا تصغي لكل الأصوات التي تريد أن تفرق كي تسود ومن ثم تستدير لتصل إلى من تحب وتدمر!

ليس المقصود من هذا بثّ الخوف، بل الاستيقاظ وإدراك أنه إلى جانت جمال اللحظات هنالك ألم وهمجية تستعر! لأنّ أكثر الإدراكات إيلامًا هو تقبّل حقيقة أنك فاتتك اللحظات المهمة - اللحظات التي كان من الممكن أن يُغيّر فيها صوتك حياةً، عندما كان من الممكن أن يُضفي حضورك العزاء، أن تُحدث أفعالك فرقًا!

لذا، يا من وصلت عيناك إلى هذه النقطة من أسطري... من فضلك، استيقظ، انظر إلى ما وراء شاشات جهازك ومُشتّتات الانتباه التي قد تُبقيك فاقدًا للإحساس، تواصل مع من أهملتهم، أولئك الذين يرفعون أيديهم للسماء يشكون للخالق عز وجل قلة حيلتهم وهوانهم على أمتهم، نعم أولئك الذين غمرتهم أصوات اللا مبالاة! افعل ما يحثّك عليه قلبك، لا تنتظر اللحظة المناسبة، اللحظة المناسبة هي الآن... الآن؛ هذا النبض... هذا النفس، لستَ بحاجةٍ لمزيدٍ من الوقت، ما عليكَ سوى التوقف عن إضاعة الوقت الثمين الذي تملكه.

في النهاية، لن تتذكر كم سنةً أمضيت على هذه الأرض، ستتذكر الأيادي التي صافحتها، والفرح الذي شاركته، والدموع التي ذرفتها، والحب الذي منحته، والأرواح التي لامستها، لذا، إن أردت أن تعيش تلك اللحظات، عشها بصدق، بعمق، بعطاء لتعتز بها، لأن الحياة لا تُقاس بمدى مدتها، بل بغنى التجارب - بالتعاطف، بالروابط التي نبنيها، باستعدادنا للدفاع عن أولئك الذين لا يستطيعون الدفاع عن أنفسهم.

انظر حولك... العالم مليءٌ بالمعاناة؛ الأطفال عالقون في مرمى نيران صراعاتٍ لا يستطيعون استيعابها. العائلات يمزّقها الجوع واليأس؛ تُزهق أرواحٌ بريئةٌ قبل أن تتاح لها فرصة الحلم، كل يوم، نشهد الدمار الذي يتكشف أمام أعيننا، ومع ذلك نشعر أنه بعيدٌ جدًا عن حياتنا! لكن هذه المآسي ليست مجرد إحصائيات، بل قصص صمود؛ صرخات استغاثة تتردد في قلوبنا، عندما نتجاهل، نفقد فرصة أن نكون جزءًا من قصة أكبر، قصة حق ومصير وعدالة.

لديك القدرة على إحداث فرق، يمكنك اختيار أن تكون صوتًا لمن خنقت أصواتهم، يمكنك الوقوف في وجه الظلم، والدفاع عمن يعانون، ومد يد العون للمحتاجين. لا تستهن بقدراتك فكل عمل صغير له قيمته، سواء كان تبرعًا بوقتك لمأوى أو غذاء، أو مناصرة من لا صوت لهم، أو مجرد الاستماع لشخص يشعر بأنه غير مرئي، فكل عمل طيب يُحدث موجات تغيير في عالم يحتاج بشدة إلى التعاطف.

لذا، دعونا لا ننتظر وقتًا أفضل للتحرك، دعونا نغتنم اللحظة التي نعيشها الآن، أن نحتضن إلحاح إنسانيتنا المشتركة؛ ففي النهاية، ليس المهم عدد السنوات التي تُحسب، بل عمق المحبة والأثر الذي نتركه وراءنا... وعندما ننظر إلى الماضي، عسى أن نجد ليس فقط ذكريات، بل إرثًا من الأفعال النبيلة.

أنت هنا... الآن.. اجعل للحظاتك قيمة تُحسب... المسألة مجرد قرار أن تكون أو ألا تكون!

نقلا عن الوطن السعودية

تم نسخ الرابط