رئيس مجلس الأدارة
خالد جودة
رئيس التحرير
هند أبو ضيف
هير نيوز هير نيوز
رئيس مجلس الأدارة
خالد جودة
رئيس التحرير
هند أبو ضيف

بقلم فاطمة المتحمي: شهامة تشكل هوية وطن

هير نيوز

إنقاذ حياة إنسان من أعظم القيم الإنسانية، وجاء الإسلام ليؤكد ذلك، حيث يقول الله تعالى: "ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعًا". هذه الآية - من سورة المائدة - ليست مجرد آية تُحفظ لتردد، بل نبض يوجه كل بطل لا يهاب المخاطر، ويجعل التضحية في سبيل الآخرين عنوانًا لشجاعته. في أغسطس 2025، اهتزّت الدوادمي على وقع حادث حريق كاد يتحول إلى فاجعة لولا لطف الله وشجاعة أحد أبنائها. شاحنة محملة بالبرسيم بدأت بالاشتعال بالقرب من محطة وقود، حاول سائقها إطفاء الحريق لكنه فر عند رؤية ألسنة النار. هنا تجلّت الآية عملياً في شخص ماهر فهد الدلبحي، الذي لم يكن بينه وبين خزانات البنزين إلا لحظات فاصلة عن الانفجار. قاد الشاحنة بعيداً لينقذ العابرين والمكان كله، وأصيب بجروح بالغة، لكنه أطفأ شرارة الفاجعة بتضحياته، فاستحق التكريم بوسام الملك عبدالعزيز ومكافأة مالية، لشجاعته التي لمست روح المجتمع. ليس هذا بغريب عن الشعب السعودي المعروف بالشجاعة والشهامة والمواقف البطولية. ففي جبال رجال ألمع، ضربت سابقًا الشابة ريما مناع راشد، رحمة الله عليها، مثالاً آخر على تطبيق الآية، حين ضحت بحياتها لإنقاذ إخوتها بعد أن انزلقت سيارتهم من منحدر خطير. دفعتهم واحدًا تلو الآخر خارج السيارة، لتفقد حياتها فداء لهم، لكنها تركت أثرًا خالدًا من الإيثار والشهامة، شاهدة على أن التضحية قد تسكن قلب شابة في مقتبل العمر. في نجران قبل عامين، رأينا معنى آخر للآية في الشاب معيض آل معجبة اليامي، الذي اندفع وسط نيران اشتعلت في منزل جيرانه، دون انتظار فرق الإنقاذ، ليخرج الأم وأطفالها من بين ألسنة اللهب والدخان، معليا رسالة مفادها أن البطولة تُقاس بالفعل في اللحظة الحرجة، وليس بالألقاب. ومن أبسط صور الشجاعة إلى أسمى صورها، في 2012، تجسدت الآية في الطيار الحربي فهاد بن فالح الدوسري، قائد طائرة F-15 سعودية، عندما تعرضت طائرته لعطل أثناء التحليق فوق مدينة الخبر. عندما طُلب منه القفز بالمظلة، رفض قائلاً: «تحتي بشر، وين تبيني أرميها!»، وقاد الطائرة باتجاه البحر ليحمي المدنيين من أي كارثة محتملة، لتتحطم الطائرة به في النهاية، مظهرًا أرفع درجات المسؤولية والإيثار. وهكذا تمضي البطولات على الطرقات أيضًا، ففي المنطقة الشرقية، طبّقت الممرضة عايضة الحربي الآية عمليًا حين تركت أبناءها في السيارة وأسرعت لتسعف الجرحى بيديها وخبرتها الطبية، لتمنحهم فرصة جديدة للحياة. لم تكن في وقت الدوام، بل في ضيافة ضمير دائم يقودها للعمل الإنساني. في الطائف، ربط شاب جسده بثوبه في جذع شجرة ليقاوم تيار السيل وينقذ طفلاً يجرفه الماء، ومثال آخر على الشجاعة في مواجهة الطبيعة كان عامر بن موسى الشهري في عسير، الذي اقتحم المياه المتلاطمة لينقذ الصغير من السيل، مظهرًا شجاعة لا تحدها لحظة أو مكان. وليس البحر بعيدًا عن هذه البطولات؛ ففي جدة، قفزت شابة سعودية في عرض البحر حين سقطت سيدة من قارب، سبحت بكل قوتها حتى أوصلتها إلى بر الأمان. ومن النار إلى بيت شعبي في القصيم قبل خمسة أعوام، هرعت أم تخرج أبناءها واحدًا تلو الآخر، ثم عادت مرتين وسط ألسنة اللهب لتنقذ رضيعها، مظهرة أن الأمومة أحيانًا لا تقتصر على التربية والاهتمام، بل يمكن أن تكون أيضًا بطولة. حتى في صمت المنازل والمستشفيات، تجلّت الآية في التبرعات بالعضو البشري، كما فعلت الممرضة فتحية عسيري حين منحت جزءًا من كبدها لطفل لا تعرفه، لتمنح عائلة كاملة فجرًا جديدًا، ذروة الإيثار حين يتحوّل الجسد نفسه إلى هدية حياة. ومن قصة الدلبحي، إلى ريما مناع، إلى معيض اليامي، إلى الطيار فهاد الدوسري، تتوالى حكايات الشجاعة لتقول شيئًا واحدًا: إن البطولة في المجتمع السعودي ليست استثناء، بل عادة راسخة تُختبر في الأوقات العصيبة، وتبني في كل مرة معنى أعمق لهوية الوطن. الأبطال هنا لا يحتاجون إلى ألقاب رسمية، فخطوة واحدة في وقت الخطر تُصبح شهادة على الشجاعة، وبهذه المواقف البطولية أصبحت جزءًا من هوية الوطن. فالسعودي لا يهاب الموت في مثل هذه المواقف. هذه المواقف البطولية ليست مجرد أحداث فردية، بل نبض حي لروح وطن تتجذر فيه الشجاعة والإيثار. كل تضحية، كل فعل بطولي، يروي قصة إنسانية تتجاوز الذات، ويؤكد أن قلب السعودية ينبض بحماية الإنسان والحفاظ على حياته. أصبحت الشجاعة والتضحية جزءًا جوهريًا من هوية هذا الوطن، متأصلة في كل سعودي، تتجدد مع كل تحدٍ، وتضيء دروب الأمل، لتثبت أن قوة السعودية الحقيقية لا تقاس بالمباني أو الموارد، بل بأرواح أبنائها التي لا تهاب الخطر في سبيل حياة الآخرين.

نقلا عن الوطن السعودية

تم نسخ الرابط