رئيس مجلس الأدارة
خالد جودة
رئيس التحرير
هند أبو ضيف
هير نيوز هير نيوز
رئيس مجلس الأدارة
خالد جودة
رئيس التحرير
هند أبو ضيف

بقلم أصيل الجعيد: العقار وأثره في امتصاص السيولة

هير نيوز

يُنظر إلى العقار عادةً باعتباره وسيلة للسكن أو استثمارًا لتحقيق عوائد مالية، غير أن الحقيقة أوسع من ذلك بكثير، فالعقار في جوهره يلعب دورًا اقتصاديًا عميقًا يتجاوز كونه أصلًا استثماريًا إلى كونه أداة لامتصاص السيولة وحماية استقرار العملة الوطنية.

عندما يتوسع المعروض النقدي في أي اقتصاد، سواء نتيجة لإنفاق حكومي كبير أو زيادة في القروض البنكية أو تحسن في دخول الأفراد، فإن هذا التدفق المالي الزائد يشكل ضغطًا على الأسعار. فالطلب يرتفع بينما العرض من السلع والخدمات لا يتغير بالسرعة ذاتها، وهنا يبدأ التضخم بالظهور وتتراجع القوة الشرائية للعملة. ولو تُركت هذه السيولة تدور بكاملها في السوق الاستهلاكية لارتفعت الأسعار بشكل حاد، ولاضطرت الدولة إلى استنزاف جزء من احتياطياتها لدعم العملة والسيطرة على السوق.

في هذا السياق يظهر العقار بوصفه «مغناطيسًا» للسيولة. فالاستثمار في الأراضي والمباني يلتهم مبالغ ضخمة ويُجمّدها لفترات طويلة، فلا تعود هذه الأموال قادرة على ملاحقة السلع والخدمات اليومية. بذلك تنجح السوق العقارية في امتصاص جزء معتبر من النقد المتزايد، فيخف الضغط على الأسعار ويتراجع أثر التضخم. العقار هنا لا يؤدي فقط وظيفة فردية لمن يبحث عن عائد أو مسكن، بل يقوم بدور أشبه بصمام الأمان للاقتصاد كله.

هذا الدور ينعكس مباشرة على استقرار العملة. فحين تتجه السيولة إلى العقار، يقل الطلب على السلع المستوردة، وبالتالي تقل الحاجة إلى إنفاق احتياطيات الدولة من العملات الأجنبية للحفاظ على سعر الصرف. بعبارة أخرى، ارتفاع أسعار العقار يسهم بطريقة غير مباشرة في تخفيف العبء على الاحتياطيات وفي حماية قيمة العملة الوطنية من الضغوط.

قد يجادل البعض بأن سوق الأسهم يؤدي وظيفة مشابهة، وهذا صحيح نسبيًا، لكن الفارق أن الأسهم تتميز بسيولة عالية يمكن بيعها في لحظة والعودة بالنقد إلى السوق، بينما العقار يحبس الأموال لسنوات طويلة، ما يجعله أكثر فاعلية في تحييد أثر السيولة الزائدة.

في التجربة السعودية يظهر هذا الدور بوضوح. فعبر الطفرات النفطية المتعاقبة أو مع التوسع الكبير في القروض العقارية خلال السنوات الأخيرة، كان القطاع العقاري هو الوجهة الأولى للسيولة المتدفقة. ومع كل دورة اقتصادية كان ارتفاع أسعار العقار يمتص جزءًا من النقد، فيُخفف من آثار التضخم، ويجنب الاقتصاد ضغوطًا أكبر على الريال وعلى الاحتياطيات الأجنبية.

من هنا يمكن فهم أن العقار ليس مجرد شأن خاص بالمستثمرين أو الباحثين عن السكن، بل هو جزء من معادلة الاقتصاد الكلي. ارتفاع أسعاره، على الرغم مما يثيره من نقاش اجتماعي حول تكاليف المعيشة، يظل في الوقت ذاته أداة إستراتيجية لحماية الاقتصاد واستقرار العملة. فالعقار بهذا المعنى يقوم بوظيفة مزدوجة: يحقق مصالح الأفراد من جهة، ويحافظ على توازن الاقتصاد الوطني من جهة أخرى.

نقلا عن الوطن السعودية

تم نسخ الرابط