رئيس مجلس الأدارة
خالد جودة
رئيس التحرير
هند أبو ضيف
هير نيوز هير نيوز
رئيس مجلس الأدارة
خالد جودة
رئيس التحرير
هند أبو ضيف

بقلم فاطمة المتحمي: كيف يستهدفون السعودية الحرب الخفية على الهوية

هير نيوز

في الوقت الذي تمضي فيه المملكة العربية السعودية بخطى واثقة نحو مستقبل طموح، وتحقق نجاحات تفوق التوقعات ضمن رؤية 2030، تبرز تحديات جديدة من نوع آخر، لا تأتي عبر الجيوش أو الحروب، بل عبر الأفكار، والمحتوى، والتأثير الثقافي، والإعلامي. إنها الحرب الناعمة التي تحدث عنها المنشق السوفييتي السابق يوري بيزمينوف قبل أربعة عقود، محذرًا من مخطط لتفكيك المجتمعات من الداخل دون الحاجة إلى إطلاق رصاصة واحدة.

أداة إسقاط الأمم Demoralization

في محاضرة شهيرة ألقاها في الثمانينيات، شرح بيزمينوف، وهو عميل سابق في جهاز المخابرات السوفييتية (KGB)، كيف أن المرحلة الأولى لتفكيك أي مجتمع هي نزع القيم الأخلاقية والثقافية منه، أو ما يُعرف بـ(Demoralization).

 

ووفقًا لبيزمينوف، فإن هذه العملية تحتاج إلى نحو 15 إلى 20 عامًا – أي جيل كامل – تُعاد خلاله برمجة المفاهيم الأخلاقية والوطنية من خلال الإعلام والفن، ليفقد الناس القدرة على التمييز بين الصواب والخطأ، وتنهار هويتهم أمام موجات متتالية من التشكيك والعبث والانحرافات الممنهجة.

السعودية نموذج للنجاح المستهدف

اليوم، ومع التطورات التي نراها، أصبحت المملكة هدفًا واضحًا لمثل هذه الأساليب التخريبية الناعمة. فقد تمكنت المملكة من تحقيق إنجازات اقتصادية وثقافية وتنموية غير مسبوقة في فترة زمنية قصيرة، ما جعلها في مرمى حملات ناعمة تهدف إلى تشويش هوية الأجيال، وزعزعة ثقة الشباب في قيمهم وثقافتهم، وتحويل مسارات طموحاتهم. كما بدأنا نشهد حملات تسعى لتشكيك وتفريق المجتمع.

في السنوات الأخيرة، شهدت المملكة تحولًا شاملًا في بنية الاقتصاد، وتمكينًا حقيقيًا للمرأة، ونموًا ملحوظًا في الصناعات الإبداعية، إضافة إلى تقدم كبير في مؤشرات التنافسية العالمية، فصارت محط أنظار العالم كنموذج ناجح للتحديث. لكن هذا التقدم السريع، كما تُظهر دروس التاريخ، لا يمر دون محاولات لإعاقته أو تحجيمه. وفي هذا السياق، نرى حسابات وهمية تعمل على تشويه صورة وهوية المجتمع من خلال هدم سمعة أبناء وبنات الوطن، عبر نشر عادات دخيلة أو انتحال الهوية السعودية بقصد التشويه، إضافة إلى إدخال أفكار وعادات تتعارض مع الدين الإسلامي والقيم السعودية من هؤلاء المنتحلين.

وفي السنوات الأخيرة، لم تقتصر حملات التشويه على النساء السعوديات فحسب، بل امتدت لتطال سمعة الموظفات السعوديات بشكل خاص. هذا التشويه لا يقتصر على إظهارهن في صورة سلبية فقط، بل يهدف إلى تشويه مكانتهن في المجتمع السعودي من خلال تصويرهن كمجرد أدوات يتم استغلالهن في بيئة العمل، أو على الأقل تصويرهن كأفراد غير مؤهلات لأداء مهامهن بالشكل الأمثل. كما تم الترويج لفكرة أن تواجد المرأة في بيئة العمل المشتركة مع الرجل هو مصدر قلق يمس القيم الأخلاقية.

لكن الحقيقة أن هذه الحملات لا تضر بالنساء فقط، بل تضر أيضًا بالرجال في المجتمع السعودي، بل وأكثر من ذلك، إنها تسعى للإساءة إلى مروءة وأخلاق الرجل السعودي. فهذه الحملة الخبيثة تصوّر الرجال السعوديين في بيئة العمل على أنهم لا يستطيعون التعامل مع المرأة بشكل لائق واحترافي، ما يقلل من احترامهم ومكانتهم المهنية في نظر المجتمع. إذ تُشَكّك هذه الحملة في قدرة الرجال السعوديين على الحفاظ على بيئة عمل تسودها المبادئ الأخلاقية والاحترام المتبادل بين الجنسين.

هذه الحملات تعمل على زعزعة الثقة في قدرة كلا الجنسين على التفاعل والعمل معًا في بيئة صحية ومنتجة، في حين أن الواقع يعكس أن التعاون بين الرجل والمرأة في بيئات العمل لا يؤثر في القيم الأخلاقية أو المهنية. بل على العكس، يعكس قدرة المجتمع على التطور والنمو في إطار من العدالة والمساواة.

إذن، هذه الحملات لا تضر فقط بالنساء السعوديات أو بالرجال على حد سواء، بل تهدف إلى نشر مفاهيم سلبية حول مجتمع كامل، والعمل على بث الفرقة والتشويش على القيم التي تؤمن بها المملكة. إن تأثير هذه الحملات يمتد إلى إضعاف القيم المهنية والأخلاقية في المجتمع ككل، مما ينعكس سلبًا على الوحدة الوطنية والتطور الاجتماعي.

إضافة إلى ذلك، ظهرت حملات إعلامية تدّعي أن النساء استحوذن على معظم الوظائف، وأن هناك رجالًا أولى بهذه الفرص الوظيفية. غير أن المتأمل في هذه الحملات يجد أن معظمها يُدار من قبل أفراد من جنسيات أخرى، ويبدو أن الغرض منها هو صرف انتباه المواطن السعودي عن القضايا الحقيقية المرتبطة بسوق العمل، مثل سيطرة بعض الجنسيات الأجنبية على عدد من الوظائف الحيوية. وبدلًا من إثارة الانقسام الداخلي بين أبناء الوطن الواحد، ينبغي توجيه النقاش نحو تعزيز العدالة الوظيفية ومراجعة آليات التوظيف بما يخدم المصلحة الوطنية ويحقق أهداف التوطين وتمكين الكفاءات السعودية من الجنسين.

هذه مجرد أمثلة بسيطة على أشكال الاستهداف التي تُمارس بأساليب غير مباشرة بهدف تشتيت وعي المواطن السعودي، وتحويل اهتمامه عن الأدوار الجوهرية التي ينبغي أن يؤديها للإسهام في النهوض بالمستوى الاقتصادي والاجتماعي للوطن. ففي الوقت الذي يفترض فيه أن يُركز الجميع على تحقيق أهداف رؤية المملكة الطموحة، تُبث روايات مضللة تستهدف إثارة الانقسام الداخلي بين أفراد المجتمع، لا سيما بين الجنسين. ومن هذا المنطلق، تبرز الحاجة الماسة إلى رفع مستوى الوعي المجتمعي، وتعزيز القدرة على التمييز بين الحملات الدعائية المغرضة والمطالب الوطنية الحقيقية، التي تصب في صالح استقرار الوطن وتقدّمه، وتتماشى مع مستهدفات رؤية المملكة 2030.

كيف تدار الحرب على الجيل الجديد

أبرز أدوات التأثير على المجتمع السعودي اليوم تتمثل في:

• محتوى إعلامي موجه: يستهدف قيم المجتمع ويُسوق أنماطًا دخيلة على الثقافة المحلية.

• منصات تعليمية وثقافية عالمية: تقدم سرديات مغايرة للهوية الوطنية تحت ستار «الانفتاح».

• إضعاف الرمزية الوطنية: عبر التشكيك في التاريخ، أو تهميش الرموز، أو تسفيه الإنجازات.

• استغلال قضايا اجتماعية حساسة: لإثارة الانقسام أو زرع مفاهيم غربية لا تتناسب مع السياق المحلي.

بيزمينوف كان واضحًا:

«عندما تنزع قيم المجتمع، يصبح عاجزًا عن مقاومة الخطر حتى لو وُجهت له الأدلة. وقتها يكون قد فات الأوان».

هذه العبارة تزداد أهمية في سياقنا السعودي، خاصة أن المملكة اليوم تبني جيلًا شابًا يُعوَّل عليه في قيادة المستقبل، وسط تحديات عالمية تتقاطع فيها السياسة بالثقافة بالتكنولوجيا.

وعي الشعب خط الدفاع الأول

في ظل هذه التحديات، يصبح الوعي الشعبي هو الحصن المنيع. ليس المقصود بالوعي مجرد الشك في كل جديد، بل التمييز بين ما يدعم تطور الوطن ويحترم هويته، وبين ما يُراد له أن يُلبّس لباس الحداثة وهو في حقيقته تفكيك وتخريب.

الحفاظ على مكتسبات رؤية 2030 لا يتم فقط عبر الخطط الحكومية، بل عبر يقظة المواطن، ونباهة الأسرة، ووعي المؤسسات التعليمية والإعلامية والثقافية.

خلاصة القول؛ السعودية اليوم أقرب من أي وقت مضى إلى تحقيق نهضتها الكبرى، ونجاحاتها باتت تثير اهتمام وإعجاب العالم. لكن كلما اقتربت من أهدافها، ازدادت محاولات التشويش والإرباك. هذه ليست نظرية مؤامرة، بل حقيقة تؤكدها تجارب الأمم، وما كشفه يوري بيزمينوف قبل عقود.

المعركة اليوم ليست مع جيوش، بل مع سرديات وأفكار ومنصات. والانتصار فيها يتطلب وعيًا جماعيًا، وإيمانًا بالهوية، وتمسكًا بالقيم التي كانت دائمًا حجر الأساس لسلامة هذا الوطن واستقراره.

اللهم احفظ لنا هذا الوطن العظيم من كيد الكائدين وشر الحاسدين، واجعله دائمًا في رعايتك وحفظك، وأدم عليه نعمة الأمن والأمان. ووفّق قادة هذا البلد العظيم وشعبه لكل ما فيه خير وصلاح. آمين.

نقلا عن الوطن السعودية

تم نسخ الرابط