رئيس مجلس الأدارة
خالد جودة
رئيس التحرير
هند أبو ضيف
هير نيوز هير نيوز
رئيس مجلس الأدارة
خالد جودة
رئيس التحرير
هند أبو ضيف

بقلم عبدالله المليباري: التبكيرة خيرة وردة الأمل تتفتح في أكتوبر

هير نيوز

في مساء وردي من أمسيات التوعية بعروس البحر الأحمر وخلال أكتوبر، شهر التوعية بسرطان الثدي، وقبل عامين، صعدت إحدى السيدات إلى المنصة بخطوات مترددة لكنها مفعمة بالشجاعة. وقالت بصوت تختلط فيه الذكريات بالأمل: «ذهبت مع صديقتي لإجراء فحص الماموغرام دون أن أشعر بضرورة حقيقية، لكنه كان القرار الذي أنقذ حياتي. اكتشف الأطباء ورماً صغيراً لم أكن أشعر به إطلاقاً. خضعت لجراحة وعلاج قصير، واليوم أقف أمامكم وأنا أم وناجية، لأقول: الفحص المبكر حياة».

كانت كلماتها تختصر رسالة الحملة الوطنية لهذا العام «التبكيرة خيرة»، التي تؤكد أن المبادرة بالفحص ليست مجرد إجراء طبي بل اختيار للحياة ذاتها.

قصة هذه السيدة الناجية ليست سوى واحدة من آلاف القصص التي تكتب يومياً في المملكة والعالم، لتثبت أن سرطان الثدي رغم قسوته يمكن أن يهزم حين نقف أمامه بوعي وإرادة. ومن بين هذه القصص الملهمة، تبرز تجربة الدكتورة سامية العمودي، أستاذة واستشارية أمراض النساء والتوليد بجامعة الملك عبد العزيز، التي اكتشفت إصابتها بسرطان الثدي عام 2006، لكنها قررت أن تواجهه علناً. كتبت تجربتها في الصحف ووسائل الإعلام لتكسر حاجز الخوف، وأصبحت من أوائل الأصوات النسائية التي نقلت المرض من دائرة الصمت إلى العلن، حتى نالت جائزة «المرأة الشجاعة الدولية» عام 2007 تقديراً لريادتها في التوعية ودعم المريضات. لقد حولت ألمها إلى رسالة أمل، وأسست وترأست كرسي أبحاث متخصص في التوعية والعلاج، لتصبح قصتها رمزاً للقوة والعطاء.

وإلى جانبها، يسطع اسم آخر ريهام أفندي، الشابة السعودية التي خاضت معركتها مع السرطان بعزيمة استثنائية، وقررت أن توثق رحلتها عبر مبادرات مجتمعية بالشراكة مع جمعيات مختلفة وعبر نشاطات متعددة، لتشجع النساء على الحركة والأمل ومواصلة الحياة بعد العلاج.

قصص مثل هذه تبعث في النفوس طمأنينة أن المرض يمكن أن يهزم، وأن الوعي هو أول خطوة في طريق النجاة بحول الله.

وفي قلب هذا الحراك الوطني، تقف جمعية زهرة كأحد أبرز النماذج في العمل التطوعي الصحي في السعودية. تأسست عام 2007 بمبادرة من الأميرة هيفاء بنت فيصل بن عبدالعزيز آل سعود، بهدف نشر الوعي بسرطان الثدي، وتشجيع الفحص المبكر، وتقديم الدعم النفسي والاجتماعي للمريضات والناجيات. استطاعت الجمعية أن تخلق نموذجاً متكاملاً للشراكة المجتمعية من خلال برامجها المتنوعة. وقد أثمرت جهود الجمعية عن ارتفاع ملموس في معدلات الفحص المبكر خلال السنوات الأخيرة، وتزايد الوعي المجتمعي بأهمية الكشف الدوري، وهو ما يتقاطع مباشرة مع شعار الحملة الوطنية

لهذا العام «التبكيرة خيرة» الذي يعكس رسالة الجمعية والمجتمع معاً: أن الوقاية ليست مجرد نصيحة طبية، بل ثقافة حياة.

وراء هذه القصص الإنسانية تقف أرقام تكشف حجم التحدي وعمق الأمل في آنٍ واحد. فبحسب السجل السعودي للأورام، يمثل سرطان الثدي نحو 30 % من إجمالي حالات السرطان بين النساء في المملكة، بمتوسط عمر إصابة يتراوح بين 40 و50 عامًا، أي أبكر من المعدلات المسجلة في الدول الغربية. وتشير بيانات جلوبوكان 2020 إلى تسجيل أكثر من 3900 حالة جديدة في المملكة خلال عام واحد. ورغم ذلك، فإن نسبة الشفاء قد تتجاوز 90 % عند اكتشاف المرض مبكرًا، مما يؤكد أهمية الفحص الدوري والماموغرام السنوي بعد سن الأربعين.

المملكة اليوم تقف في صف الأمل لا الخوف. فقد أطلقت وزارة الصحة حملات توعوية وطنية، وأنشأت مراكز متخصصة مثل مركز الملك فهد للأورام ومركز التميز في رعاية سرطان الثدي بجامعة الملك عبدالعزيز، كما تبنت جمعيات أهلية مثل جمعية زهرة برامج دعم نفسي واجتماعي للمريضات والناجيات، مما جعل الوعي والتمكين الصحي جزءاً من ثقافة المجتمع السعودي الحديث.

إن سرطان الثدي في السعودية لم يعد حكاية مرض، بل قصة مجتمع يتعلم كيف يواجه بالعلم، ويتعافى بالتكاتف.

من جدة إلى الرياض، ومن أبها إلى الدمام، تروى قصص النصر الصغيرة كل يوم: طبيبة ألهمت أجيالاً، وشابة أعادت تعريف القوة، وأم نجت لتروي حكاية أمل. وبين الأرقام الباردة والوجوه المشرقة، تبقى الحقيقة واحدة: الفحص المبكر وعد بالحياة، والتبكيرة خيرة.

نقلا عن الوطن السعودية

تم نسخ الرابط