بقلم مريم النويمي: الخلع لا يصلح ما أفسده الجين
قابلت أم طفل بإحدى العنايات المركزة لحديثي الولادة، أخذت تحكي كيف أن طفلها الثالث لديه تشوهات خلقية، بعد طفلين أحدهما لديه ثقب في القلب تعافى منه والآخر لديه تمدد بسيط في إحدى كليتيه. كانت ناقمة على زواج الأقارب، اتهمته بأنه السبب، وتؤكد أن زوجها تحديدا وأهله يحملون جينات غير سليمة، رغم أنه ليس لديهم أمراض مشابهة. سألتها كيف لكِ أن تؤكدي أن زوجك وأهله هم سبب ذلك؟ فلربما تكونين أنتِ من يحمل المرض! هي تؤمن بمسؤولية الزوج، تركتُ لها اعتقادها، لكن طلبت منها التقرير لأعرف ما هو التشوه الذي يحمله طفلها، لنحدد إن كان سببه وراثيا أم لا، فوجدت أن الطفل سليم، وتصويره لا تشوبه شائبة، ولكنها لم تصدق! «كيف لي أن أنسى التشخيص الأولي، الذي قيل لي! كيف لي أن أكذب الممرضة التي قالت السبب هو زواج الأقارب!، وأنا فعلا متزوجة من قريبي»، فاجأتني بأنها بدأت تفكر في الخلع وطلب الانفصال، حتى لا تنجب طفلا آخر بعيبٍ خلقي. ثقب في القلب دون وجود تاريخ عائلي بأمراض مماثلة لا يعني أنه وراثي أو جيني، إلا إذا كان جزءًا من متلازمة معينة، ربما تكون لإصابة الأم أثناء الحمل بعدوى فيروسية كالحصبة الألمانية أو مع وجود سكر حمل غير منتظم، الوراثة بريئة من الإصابة، تمدد إحدى الكليتين يعني وجود انسداد في الحالب مثلا أو مكان التقاء الكلية بالحالب، وأحيانا كثيرة يكون تمددا بسيطا ولا يوجد أي انسداد، ووظائف جيدة ولا يوجد استرجاع لحوض الكلى، وأطباء الكلى يطلبون إعادة التصوير التلفزيوني للكلى عادة عند عمر ثلاثة أشهر، عندها يجدون أن حجم الكلى طبيعي. هنا أيضا أبرئ الوراثة، هناك أمراض وراثية تصيب الكليتين بالطبع كتكيس الكلى مثلا، ولكن التمدد البسيط الذي اختفى حينما كبر الرضيع، ليس وراثيا، تشوه بعض الأعضاء الذي يراه بعض أطباء النساء والولادة أثناء متابعة الحمل، كوجود كيس في الرأس أو خلل في شكل إحدى الكليتين، يحتاج إلى إعادة التصوير والفحص بعد الولادة، وكثير من هؤلاء المواليد فحوصاتهم بعد الولادة طبيعية. هو خبر سيئ بالفعل أن تشك امرأة حامل بأنها تحمل جنينا مشوها أو مريضا، إقناعها بأن طفلها سليم ربما يتطلب جهدا، وكثير من الأحيان حنكة. ولكن هل بالفعل الأمراض الوراثية التي لا تستهدفها فحوصات ما قبل الزواج، تتطلب الخلع أو الانفصال! هل هذا هو الحل! كيف لأم أن تتحمل عبء أطفال مرضى وحدها؟ أعتقد أن الوضع سيكون أكثر تعقيدا، لذلك دائما ننصح الزوجين اللذين تكررت لديهما تجربة إنجاب طفل عنده عيوب خلقية أو أمراض وراثية، بالذهاب إلى أطباء النساء والولادة المتخصصين بطب الأجنة قبل الحمل القادم، للفحص والتأكد من حمل أحد الأبوين لمرض متنحٍ أو سائد. فإذا كان هناك مرض يحمله أو مصاب به أحد الأبوين أو كلاهما، يتم التلقيح المجهري وزراعة الأجنة في الرحم بعد الفحص الجيني لها، فقط تزرع أو تنقل الأجنة السليمة وراثيا للرحم، ويمكن تجميد بقية الأجنة السليمة لحقنها في وقتٍ لاحق. علينا إدراك أن الكلمة مسؤولية وطريقة الشرح للأبوين لا بد أن تجرى بحرص حتى لا يتهم أحدهما الآخر بأنه السبب. تشخيص خاطئ كاد يشتت شمل أسرة، التطبيب حكمة قبل أن يكون ممارسة.
نقلا عن الوطن السعودية