رئيس مجلس الأدارة
خالد جودة
رئيس التحرير
هند أبو ضيف
هير نيوز هير نيوز
رئيس مجلس الأدارة
خالد جودة
رئيس التحرير
هند أبو ضيف

بقلم عبدالله المليباري: حين لا يكون رضا المريض دليل الجودة

هير نيوز

في نهاية الزيارة يبتسم المريض وهو يغادر العيادة. الخدمة كانت سريعة، المكان مريح، والطبيب متعاون. وعند استبانة الخروج، يضع أعلى درجة في خانة «الرضا». لكن السؤال الذي لا يظهر في الاستبانة هو: هل خرج هذا المريض أكثر صحة... أم أكثر رضا فقط؟

في الدراسات الصحية العالمية، بما فيها تحليلات منشورة في مجلات طبية مرموقة كـ BMJ، تبين أن ارتفاع رضا المرضى لا يرتبط بالضرورة بتحسن النتائج الصحية أو بانخفاض المضاعفات أو بكفاءة استخدام الموارد. بل تشير بعض هذه التحليلات إلى أن الرضا المرتفع قد يترافق أحياناً مع إفراط في الفحوصات والعلاج، لا مع رعاية أفضل. هذه الحقيقة على بساطتها، تضع علامة استفهام كبيرة أمام الطريقة التي نقيس بها جودة الرعاية الصحية.

خلال السنوات الأخيرة، أصبح «رضا المريض» مؤشراً محورياً في تقييم أداء المنشآت الصحية حول العالم. وبحسن نية، انتقل هذا المفهوم من كونه أداة لفهم تجربة المريض وتحسينها، إلى مقياس يكافأ ويحاسب بناءً عليه. وهنا تبدأ الإشكالية، ليس لأن رضا المريض غير مهم، بل لأنه لا يكفي وحده للحكم على جودة الرعاية.

الرضا مفهوم إنساني بطبيعته، يتأثر بالتوقعات، وبطريقة التواصل، وبما كان المريض ينتظره قبل الدخول إلى العيادة. قد يشعر المريض بالرضا لأنه حصل على فحص لم يكن ضرورياً، أو وصفة دوائية كان يتوقعها، أو إجراء منحه شعوراً سريعاً بالاطمئنان، حتى لو لم يكن ذلك القرار الطبي الأفضل. في هذه الحالة، يكون الرضا صادقاً، لكنه لا يكون دليلاً على جودة القرار.

المفارقة أن القرار الطبي الصحيح ليس دائماً القرار المرضي. فالطبيب الذي يرفض وصف مضاد حيوي بلا داعٍ، أو لا يطلب تصويراً إشعاعياً غير مبرر، قد يقابل بعدم رضا أو تساؤل، بل في بعض الأحيان يمكن أن تتم شكواه، لكنه في الواقع يحمي المريض من ضرر محتمل، ويحمي النظام الصحي من هدر لا حاجة له. ومع ذلك، حين تضخم مؤشرات الرضا، يصبح هذا النوع من القرارات عبئاً على الطبيب، لا ميزة مهنية.

ومع الوقت، يتغير السلوك بهدوء. لا بسبب سوء نية، بل تحت ضغط التقييمات والشكوى. يميل بعض الممارسين إلى إرضاء المريض بدلاً من تثقيفه، وإلى اختيار الطريق الأسهل بدلاً من الأصوب، لأن تكلفة «عدم الرضا» تبدو أعلى من تكلفة إجراء إضافي لا حاجة له. وهكذا، تتحول العلاقة العلاجية من شراكة قائمة على الثقة إلى علاقة أقرب للخدمة الاستهلاكية.

المشكلة الأعمق أن رضا المريض لا يعكس بالضرورة جودة النتائج الصحية. فقد يكون المريض راضياً عن زيارة قصيرة ومريحة، لكنه يعود بعد أسابيع بمضاعفات كان يمكن تجنبها. وقد يكون غير راضٍ عن قرار لم يفهم أسبابه جيداً، لكنه في الحقيقة كان القرار الأكثر أماناً على المدى الطويل. الرضا يقيس الشعور اللحظي، بينما الجودة تقيس الأثر.

في السياق السعودي، ومع التحول الصحي الذي يضع الإنسان في قلب المنظومة، تبرز الحاجة إلى هذا التمييز أكثر من أي وقت مضى. تحسين تجربة المريض هدف مشروع ومهم، والاحترام والتواصل حق أصيل، لكن اختزال الجودة في استبانة رضا يحمل خطراً صامتاً: أن نكافئ ما يرضي اليوم، لا ما يحمي الغد.

ما نحتاجه هو توازن ناضج بين نظام يعترف بأن رضا المريض مؤشر مهم، لكنه ليس الحكم النهائي. وأن القرار الطبي الصحيح يستمد قوته من الدليل العلمي، وسلامة المريض، والنتائج طويلة المدى، لا من درجة تكتب بعد زيارة واحدة. وحين يشعر الطبيب أن قراره العلمي سيحترم، حتى لو لم يكن ما يطلبه المريض، يصبح أكثر قدرة على ممارسة الطب كما ينبغي.

في النهاية، الرعاية الصحية ليست مسابقة لإرضاء المريض، ولا الطبيب مقدم خدمة يسعى لتقييم مرتفع بأي ثمن. إنها شراكة معقدة، تتطلب صدقاً في التواصل، وشجاعة في القرار، وحكمة في الموازنة بين ما يرضي الآن... وما يصنع صحة حقيقية على المدى البعيد.

نقلا عن الوطن السعودية

تم نسخ الرابط