السبت 18 مايو 2024 الموافق 10 ذو القعدة 1445
رئيس مجلس الإدارة
خالد جودة
ads
رئيس مجلس الاداره
خالد جوده

نساء تحدث عنهن القرآن.. مـــريم ابنة عــمران

الثلاثاء 25/مايو/2021 - 10:35 ص
نساء تحدث عنهن القرآن..
نساء تحدث عنهن القرآن.. مـــريم ابنة عــمران

قصة مريم ابنة عمران رضي الله عنها ــ وقصة ابنها عيسى ــ عليه السلام ــ وردتا ــ في القرآن الكريم في سور متعددة‏‏ وفي مناسبات شتى... منها ما جاء في السور المكية ــ التي كان نزولها قبل الهجرة ــ كسورة مريم‏،‏ ومنها ما جاء في السور المدنية ــ التي كان نزولها بعد الهجرة ــ كسورة آل عمران‏.‏

في كتابه "نساء تحدث عنهن القرآن يؤكد الراحل فضيلة الشيخ د‏.‏ محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر الشريف الأسبق أنه تكرر اسم مريم في القرآن الكريم أربعا وثلاثين مرة‏،‏ بينما تكرر اسم ابنها عيسى خمسا وعشرين مرة‏،‏ ومن الأحاديث الشريفة التي وردت في فضل مريم رضي الله عنها ــ ما جاء في الصحيحين عن علي بن ابي طالب رضي الله عنه قال‏:‏ سمعت النبي ــ صلى الله عليه وسلم ــ يقول‏:‏ خير نسائها مريم ابنة عمران‏،‏ وخير نسائها خديجة بنت خويلد‏.‏ مريم ابنة عمران خير نساء الدنيا في زمانها‏،‏ وخديجة خير نساء هذه الأمة‏.‏


والذي يقرأ القرآن الكريم يراه قد فصل الحديث عن ولادة مريم ابنة عمران‏،‏ وعن نشأتها‏،‏ وعن فضلها‏،‏ عن طهارتها وعفافها‏،‏ وعن اصطفائها على نساء زمانها‏،‏ وعما أعده الله ــ تعالي ــ لها من ثواب عظيم‏.‏

من الآيات القرآنية التي وردت في ميلاد مريم وفي شأن نشأتها‏،‏ قوله ــ تعالى‏:‏ {إن الله اصطفى آدم ونوحا وآل إبراهيم وآل عمران على العالمين‏، ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم إذ قالت امرأة عمران رب إني نذرت لك ما في بطني محررا فتقبل مني إنك أنت السميع العليم‏، فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثي‏، والله أعلم بما وضعت‏‏ وليس الذكر كالأنثى‏ وإني سميتها مريم‏ وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم‏،‏ فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتا حسنا وكفلها زكريا كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا‏،‏ قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله‏،‏ إن الله يرزق من يشاء بغير حساب‏} [‏ سورة آل عمران‏:‏ الآيات‏33‏ ــ‏37]‏
لفظ اصطفى من الاصطفاء بمعنى الاختيار والانتقاء وطلب الصفوة من كل شئ‏.‏ معني إن الله ــ تعالي ــ قد اختار واصطفى آدم أبا البشر‏،‏ بأن جعله خليفة في الأرض‏،‏ وعلمه الأسماء وأسجد له ملائكته‏.‏

اصطفي نوحا لأنه ــ كما يقول الإمام الآلوسي ــ آدم الأصغر‏،‏ والأب الثاني للبشرية‏،‏ وليس أحد علي البسيطة إلا من نسله‏،‏ لقوله سبحانه‏: {وجعلنا ذريته هم الباقين‏} [‏ سورة الصافات‏:‏ الآية‏77].‏

واصطفى آل إبراهيم أي‏:‏ واختار عشيرة وأقارب وذرية ابراهيم‏،‏ وهم إسماعيل وإسحاق والأنبياء من أولادهما‏.‏

واصطفى آل عمران بأن جعل منهم عيسي ـ عليه السلام ـ الذي أتاه الله البينات‏،‏ وأيده بروح القدس‏.‏ والمقصود بعمران هذا‏:‏ والد مريم أم عيسى ـ عليه السلام ـ‏،‏ فهو عمران بن ياشم بن ميشا بن حزقيا‏...‏ وينتهي نسبه إلى ابراهيم ـ عليه السلام ـ الذي كان جميع الأنبياء الذين جاءوا من بعده من نسله‏....‏ فقد دعا الله تعالي ـ بقوله‏:‏ واجعل لي لسان صدق في الآخرين‏:‏ أي‏:‏ واجعل لي ذكرا حسنا‏،‏ وسمعة طيبة وأثرا كريما في الأمم الأخرى التي ستأتي من بعدي‏،‏ فأجاب الله ـ تعالي ـ له دعاءه‏،‏ فجعل أثره خالدا‏،‏ وجعل من ذريته الأنبياء والصالحين‏،‏ وعلى رأسهم خاتمهم وإمامهم محمد ـ صلي الله عليه وسلم ـ الذي ينتهي نسبه إلي اسماعيل بن إبراهيم ـ عليهما الصلاة والسلام ـ‏.

وإن في ذلك التسلسل المنتقي المختار‏،‏ دليلا علي أن الله ـ تعالي ـ قد اقتضت حكمته أن يجعل في الإنسانية من يهديها إلي الصراط المستقيم‏،‏ ثم جاء من بعده بزمان لا يعلمه إلا الله‏،‏ نوح ـ عليه السلام ـ فمكث يدعو الناس إلي إخلاص العبادة لله وحده ـ عز وجل ـ ألف سنة إلا خمسين عاما‏.‏

ثم جاء من بعد ذلك خليل الله ـ تعالي ـ إبراهيم ـ عليه السلام ـ‏،‏ فدعا الناس إلي عبادة الله ـ تعالي ـ وحده‏،‏ وإلي التحلي بمكارم الأخلاق‏،‏ فكان هو وآله صفوة الخلق‏،‏ وفيهم النبوة‏،‏ فمن إسماعيل ـ عليه السلام ـ كان محمد ـ صلي الله وسلم ـ الذي هو أفضل الأنبياء والرسل وخاتمهم‏.‏ ومن إسحاق وبنيه كان عدد من الأنبياء‏،‏ منهم‏:‏ داود وسليمان وأيوب ويوسف وموسى وهارون‏،‏ ومن فرع اسحاق ـ عليه السلام ـ كان آل عمران‏،‏ وهم ذريته وأقاربه ومنهم زكريا ويحيي وعيسي‏...‏ الذي كان آخر نبي من هذا الفرع‏،‏ كما كان آخر نبي قبل خاتم الأنبياء محمد ـ صلي الله عليه وسلم ـ‏.‏ ثم قص علينا ــ سبحانه ــ ما قالته امرأة عمران‏،‏ عندما أحست بعلامات الحمل في بطنها ــ فقال تعالي‏:‏ ــ‏[‏ إذ قالت امرأة عمران رب إني نذرت لك ما في بطني محررا فتقبل مني إنك أنت السميع العليم‏].‏

وامرأة عمران هذه‏:‏ هي حنة بنت فاقرذا بن قنبل‏..‏ وهي أم مريم‏،‏ وجدة عيسي ــ عليه السلام ــ وعمران هذا هو زوجها‏،‏ وهو والد مريم‏.‏
ولفظ نذرت من النذر‏،‏ ومعناه‏:‏ التزام التقرب إلي الله ــ تعالي ــ بشئ من جنس العبادات التي شرعها الله ــ تعالي ــ لعباده‏،‏ ليتقربوا بها إليه رغبة في ثوابه‏.‏ ولفظ محررا أي‏:‏ خالصا للعبادة لله ــ تعالي ــ متفرغا من شواغل الدنيا‏،‏ متخليا عن شهواتها ومتعها‏،‏ ثم ذكر ــ سبحانه ــ ما قالته أم مريم بعد أن تمت ولادة مريم فقال‏:[‏ فلما وضعتها قالت رب إني وضعتها أنثي‏..]‏ أي‏:‏ وبعد أن تضرعت أم مريم إلي ربها وقالت‏:‏ يارب إني نذرت لخدمة بيتك المقدس ما في بطني‏،‏ وبعد أن تم وقت الحمل‏،‏ وضعت مولودها‏،‏ وقالت‏:‏ يارب أنت تعلم أن هذا المولود أنثي‏..‏

وقولها هذا ليس المقصود منه الإجبار‏،‏ فالله ــ تعالي ــ عليم بكل شئ‏،‏ وإنما المقصود منه إظهار النذر‏،‏ وقوله ــ سبحانه ــ‏:[‏ والله أعلم بما وضعت وليس الذكر كالأنثي‏]‏ أي‏:‏ والله ــ عز وجل ــ أعلم منها ومن غيرها بما وضعته أم مريم‏،‏ لأنه ــ سبحانه ــ هو الذي أوجد هذا المولود‏،‏ وهو الذي جعله أنثي‏،‏ وقوله سبحانه‏: (‏وإني سميتها مريم وإني أعيذها بك وذريتها من الشيطان الرجيم‏)‏ تتمة لكلامها بعد أن وضعتها وكلمة مريم معناها في لغة قومها العابدة‏،‏ وهكذا يسوق القرآن الكريم عن مريم وأمها ما يدل علي كمال قدرته وحكمته‏،‏ وما يشهد بأن الايمان بقدرة الله ووحدانية يهدي القلوب إلى كل خير‏،‏ وبأنه ـ سبحانه ـ يقبل دعاء الصالحين‏،‏ ويرزقهم بغير حساب‏.‏

ads
ads