الجمعة 04 أكتوبر 2024 الموافق 01 ربيع الثاني 1446
رئيس مجلس الإدارة
خالد جودة
رئيس مجلس الاداره
خالد جوده

بقلم مها الحقباني: "الله يعين".. بدأت المراهقة!!

الخميس 18/مايو/2023 - 06:30 م
هير نيوز

بالأمس كان طفلاً مليحًا، تلاعبه، واليوم يقرع أبواب الرجولة. بالأمس كانت طفلة لعوبًا، تضاحكها، واليوم تدنو من عتبات الأنوثة. وبين تلك البراءة وذاك التحول خطوات متسارعة، لا يمكن اللحاق بها، فما بين غمضة عين وانتباهتها يتغير الشكل والصوت، وتختفي ملامح البراءة، وتسفر تلك الشخصية المستقلة عن أولى ملامحها.

وحتى يسفر الصبح، وتكتمل تلك الصورة، وتصقل ملامح الشخصية، ثمة الكثير من الهضبات المستفزة للأعصاب، والوديان الممتلئة بالتصرفات المتناقضة، وما بينهما سفوح تُنبئ بشيء من الأمل.

نعم عزيزي القارئ، إنه ذاك المراهق، الذي قد يُفقدك أعصابك لدرجات لا تعرف بها نفسك، ويجعلك تشكك في ذاتك وتربيتك، فتحتار في أفعاله وألفاظه.. وعلى النقيض، يمنحك شعورًا بالأمل، وأن "تعبك في التربية ما راح على الفاضي" في مواقف مفاجئة، ولحظة تود أن الزمن يتوقف عندها. مفارقات وتحديات لا تملأ نفسك فقط بل إنها تزاحم عقل ذاك المراهق يوميًّا، فيحتار في ذاته أكثر، لأي الفريقين ينتمي؟!

إن التسارع الذي يحدث في خلايا جسمه يكاد يكون المرحلة الأسرع في تاريخ عمر الإنسان. تسارع لا يمكن تداركه بالعين المجردة، ولا حتى بالخيال، وكل ما نملكه هو أن نعي أنه ما زال يتشكل، وأن لا شيء من تصرفاته يعد نهائيًّا، وإنما هي أطوار، سيمرُّ بها لا محالة كل طفل يتحول لمرحلة الرشد.

سيغضب بشدة، وينفعل بدون داعٍ أحيانًا، فلا يعني أنه شخص عصبي بالمطلق. ستتحسس هي الأخرى بسهولة فائقة، فلا يعني أنها مهزوزة وهشة إلى الأبد. سينام كثيرًا، وربما يأكل طعامًا لثلاثة أشخاص، ولا يعني ذلك أنه سيستمر بالالتهام حتى يتضخم إلى ما لانهاية.. إنما هي طفرات نمو متنوعة، تختلف مظاهرها من طفل لآخر، كما تختلف حدتها من شخص لآخر.

كل ما عليك أن تتذكر أنها ليست النهاية. تمالك أعصابك، وجِّه ما يمكنك توجيهه بحكمة وهدوء، ودع البقية تمضي، وستتلاشى كما تختفي تلك الملامح المتضخمة وتلك البثور المتكاثرة. وتذكر أن محاربتك المبالغة لما يزعجك فيه، وانتقادك المتكرر لتلك السلوكيات، سيجعلانه يتقمصها أكثر، كما سيتكرر صداعك، وتتقارب نوبات غضبك، حتى تصبح الشخص الأكثر تجنبًا بالنسبة لذلك المراهق؛ لأنك تضيّق عليه الخناق بما لا يطيق.

تختلف درجات الصبر لدى المربين، وتتفاوت درجات الوعي بما يحصل خلف جدران تلك الطفرات؛ فهو في الصباح يبدو أحيانًا كطفل يلعب، وفي المساء عقل يحاورك بكل عمق! كل ما عليك هو أن تأخذ نفسًا عميقًا، وتتذكر النصيحة الذهبية "اختر معاركك بعناية"! وإلا غدت حياتكم كلها معارك بنهايات لا تُحمد عقباها.

ما أود أن ألفت نظركم إليه في هذه السطور هي أن المراهقة ليست شبحًا أو كابوسًا، وليست كما يتناقل البعض: "هذا وهو صغير وش بنسوي إذا راهق!!"، " الله يعين بدت المراهقة!!".

بين كل المراحل العمرية للتربية يمتد خيط واحد إن أنت أحسنت الإمساك به، وبالقوة المناسبة، فستمر كل المراحل بانسيابية بالغة، ألا وهو (رصيد العلاقة المتينة والثقة المتبادلة)، فهو حبل الأمان، والسبيل الأوحد للنجاة من كل المنعطفات بعد توفيق الله.

ستجتهد غالبًا في أن تكون أبًا صالحًا بأفضل ما يمكنك الوصول إليه، وقد تصيب وتخطئ، ولكن شيئًا واحدًا يدعمك إن أخطأت، ويقف بجانبك إن أخفقت، ألا وهو العلاقة الحميمة مع أبنائك.. الاحترام والحب من أجل الحب، بدون لائحة من الأعمال الصالحة المشروطة به!

وأخيرًا، أوصيكم ونفسي: أحسنوا الغرس في الطفولة؛ لتكون المراهقة مكملة لها بكل سلامة وأمان. أما إساءة التعامل والجهل بالتربية الصحيحة في الطفولة، من تدليل، أو حماية مفرطة، أو إهمال عاطفي، أو قسوة.. إنما هي قنابل موقوتة، ستُظهر نتائجها بحدة عند المراهقة لا محالة، فلا تصعب الأمور على نفسك، وكن ممن يُحْبِك القصة من البداية؛ ليكون السيناريو متوقعًا. وأينما كان موقعك في خارطة التربية فابدأ الآن؛ فأن تأتي متأخرًا خيرٌ من أن لا تأتي.

نقلا عن سبق

ads