رئيس مجلس الأدارة
خالد جودة
رئيس التحرير
هند أبو ضيف
هير نيوز هير نيوز
رئيس مجلس الأدارة
خالد جودة
رئيس التحرير
هند أبو ضيف

بقلم فاطمة المتحمي: الذكاء الاصطناعي: بين الحتمية والتحول

هير نيوز

بقلم فاطمة المتحمي: الذكاء الاصطناعي: بين الحتمية والتحول.. لم يعد الذكاء الاصطناعي مجرد أداة تقنية متقدمة، بل قوة محركة تعيد تشكيل الواقع البشري في مختلف أبعاده، من طريقة العمل والتعليم إلى مفاهيم الإنتاجية والاقتصاد وحتى العلاقات الاجتماعية. لم يعد خيارًا تقنيًا يمكن قبوله أو تجاهله، بل واقع يتنامى بشكل يومي، ويغير تدريجيًا معالم الحياة كما نعرفها.

بقلم فاطمة المتحمي: الذكاء الاصطناعي: بين الحتمية والتحول.. تطور الذكاء الاصطناعي لم يأتِ بمعزل عن العالم، بل هو نتاج مسارات طويلة من البحث والتطوير، ونتاج كمية هائلة من البيانات والتفاعلات البشرية التي جُمعت وسُخرت لتعليم الآلة كيف تتفاعل، تحلل، تستنتج، وتقرر. فالمحركات التكنولوجية الكبرى، مثل التعلم العميق والتعلم الآلي والشبكات العصبية، أسهمت في تمكين الآلة من أداء مهام معقدة كانت حتى وقت قريب حكرًا على البشر، كالتشخيص الطبي، والترجمة الدقيقة، والتعرف على الصور، وتوليد النصوص، بل وحتى الإبداع الفني.

بقلم فاطمة المتحمي: الذكاء الاصطناعي: بين الحتمية والتحول.. هذا التوسع المتسارع في قدرات الذكاء الاصطناعي يثير تساؤلات جوهرية حول مستقبل الإنسان ودوره في مجتمع تتسارع فيه الآلة لتصبح شريكًا أو ربما بديلًا في مواقع كثيرة من العمل والمعرفة والإنتاج.

بقلم فاطمة المتحمي: الذكاء الاصطناعي: بين الحتمية والتحول.. في ظل التقدم المتسارع الذي يشهده الذكاء الاصطناعي، تزداد المخاوف حول تأثيره في سوق العمل العالمي. الكثير يرى فيه تهديدًا مباشرًا لوظائفهم، خصوصًا تلك التي تعتمد على الأنشطة الروتينية أو القابلة للأتمتة. وهذا القلق ليس حديث العهد، بل هو امتداد لتاريخ طويل من التحولات الصناعية. فكما حدث خلال الثورة الصناعية الأولى، حين حلت الآلات البخارية محل الأيدي العاملة في المصانع، وشهدت المجتمعات اضطرابات اقتصادية واجتماعية واسعة، يعود اليوم نفس المشهد بشكل مختلف مع الثورة التقنية الرابعة.

بقلم فاطمة المتحمي: الذكاء الاصطناعي: بين الحتمية والتحول.. وأشار تقرير حديث صادر عن المنتدى الاقتصادي العالمي في عام 2025 إلى أن الأتمتة المدفوعة بالذكاء الاصطناعي قد تؤدي إلى إلغاء نحو 92 مليون وظيفة حول العالم بحلول عام 2030. إلا أن الوجه الآخر لهذا التحول أكثر إشراقًا؛ إذ يتوقع التقرير نفسه أن تسهم هذه التكنولوجيا في خلق نحو 170 مليون وظيفة جديدة خلال الفترة ذاتها، مما يعني صافي زيادة يُقارب الـ78 مليون وظيفة.

بقلم فاطمة المتحمي: الذكاء الاصطناعي: بين الحتمية والتحول.. التحولات لا تعني فقط تغيّر نوع الوظائف، بل تغيّر المهارات المطلوبة. فالمهن المستقبلية ستكون أكثر اعتمادًا على الإبداع، وحل المشكلات، والتحليل العميق، والتفاعل البشري المعزز بالتقنية، لا على التكرار والتنفيذ. وتبرز في هذا السياق تخصصات مثل تحليل البيانات، الأمن السيبراني، تطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي، الهندسة الرقمية، وتصميم واجهات الاستخدام الذكية.

إذن، فالتحدي هنا ليس في زوال الوظائف، بل في مدى جاهزية المجتمعات لتأهيل القوى العاملة، وتحديث نظم التعليم، وإعادة تعريف المسارات المهنية بما يتلاءم مع هذا الواقع الجديد.

في زمن الذكاء الاصطناعي، تتجه الأنظار عادةً إلى المطورين والشركات العملاقة التي تقف وراء بناء هذه التقنيات، لكن هناك دورًا غير مرئي وأقل بروزًا للبشر العاديين الذين يسهمون يوميًا، ودون وعي، في تدريب وتطوير هذه الأنظمة الذكية.

من أشهر الأمثلة على ذلك تقنية «الكابتشا» التي يواجهها المستخدمون عند تصفح الإنترنت. في بداياتها، كانت الكابتشا تطلب من المستخدمين إدخال حروف وأرقام مشوهة بهدف التحقق من أنهم بشر وليسوا روبوتات. لكن ما يجهله الأغلبية هو أن هذه الحروف لم تكن عشوائية، بل كانت مقتبسة من نصوص وكتب وصحف قديمة تعثرت أنظمة التعرف الضوئي (OCR) على الحروف في قراءتها بدقة. هكذا، أسهم ملايين المستخدمين حول العالم، دون أن يعلموا، في رقمنة كم هائل من الأرشيف الورقي، عبر إدخالهم البيانات الصحيحة.

ومع تطور التكنولوجيا، تحولت الكابتشا إلى أسئلة بصرية تطلب من المستخدم تحديد إشارات المرور، السيارات، أو الواجهات التجارية في صور مختلفة. لم يكن الهدف فقط حماية المواقع من الهجمات الآلية، بل أيضًا تدريب خوارزميات الرؤية الحاسوبية التي تعتمد عليها تقنيات مثل السيارات ذاتية القيادة وخرائط قوقل.

وعلى صعيد آخر، يشكل التفاعل البشري مع المساعدين الرقميين مثل «سيري» و«أليكسا» مثالًا حديثًا على دور البشر غير المرئي. عندما يطرح المستخدمون أسئلة أو يصدرون أوامر صوتية، لا يتم فقط تنفيذها، بل تُستخدم هذه البيانات لتحسين فهم الأنظمة للغة الطبيعية، وتطوير قدرتها على التفاعل بشكل أكثر دقة وسلاسة مع المستخدمين في المستقبل.

في مجال التعليم، يسهم الطلاب والمعلمون بشكل غير مباشر في تطوير أنظمة الذكاء الاصطناعي التعليمية. فعلى سبيل المثال، منصات التعليم الذكي تعتمد على تحليل تفاعل الطلاب مع المحتوى، إجاباتهم، وسلوكهم التعليمي لتحسين نظم التقييم، وتخصيص المناهج التعليمية بما يتناسب مع قدرات كل طالب. هذا التفاعل اليومي يوفر بيانات ضخمة تُستخدم لتدريب خوارزميات الذكاء الاصطناعي لتصبح أكثر فعالية وشخصنة.

أما في مجال الصحة، فتسهم البيانات التي يدخلها الأطباء والممرضون وكذلك المرضى في تحسين أنظمة التشخيص المدعومة بالذكاء الاصطناعي. على سبيل المثال، عند تشخيص أمراض معينة أو تقييم صور الأشعة الطبية، يُستخدم تقييم الأخصائيين لتعليم النماذج كيف تميز بين الحالات المختلفة بدقة عالية. إضافة إلى ذلك، تُستخدم ملاحظات المرضى حول فعالية العلاجات في تحسين توصيات العلاج المستندة إلى الذكاء الاصطناعي.

أي باختصار، الذكاء الاصطناعي الذي نراه اليوم ليس مجرد ابتكار معزول، بل هو نتاج تعاون غير مباشر بين ملايين البشر حول العالم، جعلوا من كل نقرة وكل تفاعل لبنة في بناء قدرات هذه النماذج المعرفية. هذا الدور غير المرئي يبرز أهمية مشاركة الإنسان المستمرة في تطوير التكنولوجيا، ويؤكد أن الذكاء الاصطناعي هو في جوهره امتداد لعقولنا الجماعية.

نقلا عن الوطن السعودية

تم نسخ الرابط