بقلم ملحة عبدالله: الطاقة الزائدة واستدرار الضحك

بقلم ملحة عبدالله: الطاقة الزائدة واستدرار الضحك.. الرأي الفلسفي نجده لدى بعض النقاد والمحللين العرب مثل شاكر عبدالحميد في كتابه الفكاهة والضحك حيث يقول: الضحك والبكاء نتيجة انفعال وأن السرور والكدر يكون في آن واحد نتيجة هذا الانفعال، أي أن البكاء يسبب سعادة بينما قد نضحك حينما نكون كدرين، وهذان الانفعالان كلاهما يسببان السعادة أو السرور.
بقلم ملحة عبدالله: الطاقة الزائدة واستدرار الضحك.. مما لاشك فيه أنه لا يزال مفهوم المسرح مرتبطا بالضحك وخاصة في مجتمعنا العربي، ومما لا شك فيه أن الفرد في هذه الأيام وتحت ضغوط الحياة يحتاج إلى الضحك لما له من وطائف بيولوجية ونفسية وصحية.
بقلم ملحة عبدالله: الطاقة الزائدة واستدرار الضحك.. وقد قدم جان كوهن نظريته في "الدراما الهزلية، وقد حظيت هذه النظرية باهتمام كثيرا من النقاد والمحللين لحداثة موضوعها واتساع نطاقها، وعلى سبيل المثال ما قدمه "كاترين كيربـرات أوركشيوني" و"ألان بيرونضوني" حينما قدموا تحليلاتهم حول وظيفة هذه النظرية وهدفها.
بقلم ملحة عبدالله: الطاقة الزائدة واستدرار الضحك.. وقد احتوت هذه النظرية على وجهة نظر فلسفية حيث كانت السخرية تتأرجح بين الجد والهزل في نظرتها للعالم غير أنها تعتمد على الضحك والسخرية عن طريق التعامل مع الوجدان التي طرحها في كتابه " le Haut langage"
بقلم ملحة عبدالله: الطاقة الزائدة واستدرار الضحك.. وإذا نظرنا عن قرب لنظرية جان كوهن " الهزلي والشعر" سنجد أن جذورها تمتد في الأدب العربي القديم، حيث برع العرب في الاستعارات والتكنية والمجاز وغير ذلك من الأسلوب المستعار فقد قدم لنا الجاحظ و ابن قدامة وغيرهم كثيرا من الأدب الساخر المستعار غزير الرموز والدلالات لما يفرضه واقعهم السلطوي على إنتاجهم.
بقلم ملحة عبدالله: الطاقة الزائدة واستدرار الضحك.. إلا أن جان كوهن يتناول المفارقة - وهذا ما يهمنا في هذا المقام كونها تعتبر دعامة هامة من دعائم المسرح – فيخرجها من نطاقها الحر المتفق عليه بين المبدعين المسرحيين في كونها" أنت تعلم وأنا أعلم وهو لا يعلم" أي أنه نوع من الجهل يعتري بعض الشخصيات والمعرفة تتوج هامات البعض الآخر من الشخصيات مع علم المتلقي أيضاً بجانب الحقيقة، فإذا تم التعرف والمعرفة للشخصيات الجاهلة بالحقيقة (الاكتشاف) ينتهي الحدث المسرحي. إلا أن جان كوهن يرى: "إن القوة العصبية المتراكمة تراكما كميا على أهبة أن تصرف في شكل كمية معادلة من الأفكار والانفعالات الجديدة تحول فجأة عن مسارها العادي، فيقتضي ذلك أن يفرغ هذا الزائد في اتجاه آخر، وينتج عنه هذا الدفق الصادر عن الأعصاب المحركة نحو مختلف أصناف العضلات، ليحدث مجموع هذه الأفعال الشبيهة بالتشنج المدعوة ضحكـا
لقد فُحصت هذه النظرية وكُملت بأعمال جورج ديماس الذي أوضح أن إثارة خفيفة منقولة إلى الجسم بمساعدة تيار كهربائي كفيلة بإحداث تقلص في عضلات الوجه المتآزرة، أي أنها تنتج حركات مناسبة للابتسام والضحك. ويعرف الضحك بكونه ظاهرة إفراغ ناتج عن اختلال مفاجئ في المستويات. هذا التعريف يتفق علنا مع تعريف سبنسر.كما أن تصور فرويد يتبنى من جهته رأي سبنسر حول الطاقة المقتصدة، المدخرة"
ومن هنا يتبع كوهن الجانب العلمي البحت والفسيولوجي في تحريك الوجدانيات، وذلك ما يميز النقد الحديث في اتباع البحث العلمي والتجربة في تحريك قريحة الناقد، فهو يعتمد على الطاقة والطاقة الزائدة وقد ذهب إلى ذلك امباقليدس في مقولته تلك التي تفيد بأن التلقي هو تلاقي أشعة خفية وغير مرئية وقد تطرقنا إلى ذلك من قبل. على أية حال فإن كوهن يرد السرور اللذة أو الكدر إلى الطاقة الجسدية. وهو لا يبتعد كثيرا عن رأي أرسطو حينما قال " داوني بالتي هي الداء" أي إعطاء جرعة زائدة من الطاقة لتعمل على التخلص من الطاقة الزائدة في الجسد مما ينتج عنه السرور والانبساط. كما أنه قد فضل استخدام كلمة "هزلي" بدلا من " سخرية" لأنه يرى أن كلمة هزلي تشمل جميع أشكال الضحك من لفظ وغير لفظ. ثم أن كوهن يرى اختلاط الكدر بالسرور في آن واحد فيقول: "غير أن الضحك لا يستمر غير لحظة قصيرة، وحالما ينطفئ يجد نفسه من جديد أمام كون عبثي. ولهذا فإن الحزن كما نلاحظ أحيانا كثيرة يتخفى في أعماق الهزلي"
وهذا الرأي الفلسفي نجده لدى بعض النقاد والمحللين العرب مثل شاكر عبد الحميد في كتابه الفكاهة والضحك حيث يقول: الضحك والبكاء نتيجة انفعال وأن السرور والكدر يكون في آن واحد نتيجة هذا الانفعال، أي أن البكاء يسبب سعادة بينما قد نضحك حينما نكون كدرين وهذان الانفعالان كلاهما يسببان السعادة أو السرور. وقد ربط أرسطو بين الفكاهة وطبيعة الكوميديا والضحك فيقول: "أن هناك بنية خاصة للضحك في الكوميديا، وإن هذه البنية تكون بمنزلة المحصلة لكل من :
أسلوب الكوميديا الخاص، أو طريقة التعبير اللفظية الخاصة بها أو بيانها الخاص
ب-الأحداث والوقائع العرضية أو الطارئة الموجودة فيها"
وبذلك نجد أن أرسطو قد ميز بين ضحك الكلمات وضحك الأفعال وهو ما نراه عن كوهن والمنهج الأسلوبي، يقول جان كوهن:"هنا تبرز المفارقة. فمن بين جميع الفئات الجمالية نجد أن الهزلي يتمتع وحده بمزية إثارة رد فعل فسيولوجي خاص، وقابل لأن يُتعرف عليه. ومن هنا فإذا ما اعتقدنا أننا نعرف، ولو على وجه التقريب، ما هو هذا الأثر-أي الضحك- فسيبدو من السهل منطقيا أن نستنتج، على وجه العموم، سبب ذلك الأثـر، أي الهزلي. والحال أننا قد عرفنا فيما يظهـر، منذ أعمال سبنسر شيئا عن طبيعة الضحك"
إنه مبدأ "أن أعلم وأنت تعلم وهو لا يعلم" وهي المفارقة الدرامية، إلا المنهج الأسلوبي الذي يتبناه كوهن يعمل على استعمال التماثلات والتفسير فيقول: "يبقى علينا أن نؤول هذه المعطيات الفسيولوجية بألفاظ نفسية، أي في مستوى المعيش. وهذا ما فعله سبنسر حين ربط الضحك بالانتقال المفاجئ من انفعال قوي إلى انفعال أقل قوة أومن عدمها. فهنا مصدر الطاقة العصبية الزائدة، إنها انفعال مجهض. لقد قيل بإن الانفعال يمثل إخفاقا للغريزة". إن العجز عن توظيف الطاقة في العمل هو الذي يجعلها تصرف عن طريق الانفعال. لنقل إن الضحك بالنسبة لسبنسر هو انفعال أُهدر، هو استجابة وجدانية قصيرة النفس تلغي نفسها بنفسها (أو تنطفئ من تلقاء نفسها). يجب أن نسجل أن الأمر لا يتعلق هنا لا بنوع الانفعال ولا بقوته، بل يتعلق بكمه فحسب. فالضحك لا يتعلق بتحول من انفعال إلى آخــر، بل بمجرد الانتقال من الأكثـر إلى الأقل. إن الضحك ناتج عن ضياع كثافة المعاناة الانفعالية. والطاقة العصبية بتحولها إلى ظاهرة عضلية تفقد طابعها الانفعالي حتى لا يبقى منها إلا وجدان في درجة الصفـر يمكن أن ندعوه لامبالاة أو إذا شئنـا لا -انشراحا.
وبذلك يرتفع كوهن من وجهة النظر التقنية الى وجهة نظر فلسفية تجاه العالم:
(وهكذا فإن الضحك، بمظاهره الثلاثة، يبدو وكأنه الملازم العضوي لظاهرة نفسية موصوفة -سلبا- بكونها إحلالا لغير المحسوس به (غير المجرب أو المعانى) محل المحسوس به. وهذا يلتحق بالصيغة الكانطية - اختزال إلى لا شيء- لننقل هذه الخلاصة إلى مستوى ظاهراتي، أي باعتبارها وصفا لعالم "موضَّع" (ملموس). وهو العالم المناسب لأية جمالية . فحينئذ سيظهر بجلاءالتعارض الكلي بين "الإحساس" الهزلي والإحساس الشعري).