بقلم فاطمة المزيني: رؤية 2030 والطريق إلى واشنطن
جاءت زيارة ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى الولايات المتحدة الأمريكية لتدشن مرحلة جديدة من العلاقات الإستراتيجية وعنوانا كبيرا لمستقبل الشرق الأوسط بكامله. ولا يخفى على أي مراقب أن الزيارة صاغتها وهندستها بوصلة الرؤية السعودية 2030.
نجحت الدبلوماسية السعودية في تقديم نفسها للعالم بشكل مختلف، فبدلا من أن تكون الرياض طرفا في معادلة « النفط و الأمن» التقليدية، أصبحت اليوم شريكا إستراتيجيا لا غنى عنه في تشكيل المستقبل. فالسعودية لم تذهب إلى واشنطن للطلب بل ذهبت لعرض فرصة تاريخية للعالم أجمع، فرصة اسمها «رؤية 2030 « هذا التحول في فلسفة التفاوض كان جوهر النجاحات التي تحققت، حيث أصبحت مشاريعنا الوطنية هي اللغة المشتركة والمصلحة العليا التي تجمعنا بأكبر قوة اقتصادية في العالم.
الرسالة السعودية واضحة وقوية: نحن لا نبني مشاريع عادية، بل نصنع المستقبل، وهذا المستقبل يتطلب شركاء حقيقيين لا مجرد بائعين. وبهذا المنطق تحولت المباحثات من صفقات تجارية فقط إلى شراكات إستراتيجية عميقة في قطاعات متعددة لم تكن يوما على طاولة الحوار السعودي الأمريكي. نتحدث اليوم عن الذكاء الاصطناعي، والطاقة النووية السلمية، والفضاء، والتعدين، وهي كلها قطاعات في قلب الثورة الصناعية الرابعة، وفي صميم أهداف الرؤية السعودية 2030.
لقد أدركت الشركات والإدارة الأمريكية أن من يريد أن يكون جزءا من المستقبل عليه أن يأتي إلى السعودية.
الأمر اللافت هو كيف ربطت الدبلوماسية السعودية ببراعة وحكمة بين الاقتصاد والسياسة. فلم يعد الأمن والاستقرار مجرد مطلب لحماية حدودنا، بل أصبح ضرورة حتمية لضمان نجاح هذه المشاريع العالمية التي تحتضنها بلادنا وتصدرها للعالم في صورة فرص واستثمارات وشراكات.
عندما تؤكد المملكة اليوم على استقرار المنطقة فهي لا تطرح موقفا سياسيا فقط، بل تضع شرطا أساسيا لخلق بيئة استثمارية آمنة و مزدهرة تحتاجها رؤية 2030. وبهذا يكون أمن المنطقة ووقف الحروب وإنهاء النزاعات المزمنة هي مصالح مشتركة، لا سعودية وعربية فقط بل أمريكية وعالمية.
المكتسبات التاريخية التي تحققت من اتفاقيات دفاعية متقدمة إلى شراكات تكنولوجية نوعية، لم تكن لتتم لولا أن السعودية حملت معها مشروعا وطنيا بحجم و قيمة رؤية 2030.
أثبتت هذه الزيارة أن القوة الحقيقية اليوم لا تختصر فقط في الثروات الطبيعية أو الموقع الجغرافي أو العمق التاريخي فقط، بل في امتلاك رؤية للمستقبل وفي القدرة على تحويلها إلى فرص تهم العالم ويشارك فيها الجميع.
عاد السعوديون من واشنطن وقد رسخوا فكرة جديدة استوعبها العالم بأكمله، أن بوصلة المستقبل تشير إلى السعودية، وقد قررت السعودية أنه لا وقت لشيء آخر غير عمل جاد وضمانات حقيقية.