حصن طاقة.. شاهد على التاريخ وجوهرة معمارية في ظفار بسلطنة عمان

في قلب ولاية طاقة الواقعة على الساحل الجنوبي لسلطنة عُمان، يقف حصن طاقة شامخًا شاهدا على التاريخ، وكنزا من الكنوز المعمارية والثقافية التي تجسد تراث المنطقة العريق وتقاليدها الضاربة في عمق الزمن.
و يُعد حصن طاقة من المعالم التاريخية البارزة في محافظة ظفار، ويرجع تاريخ هذا الحصن التاريخي إلى القرن التاسع عشر الميلادي كمبنى أهلي أقيم في تلك الفترة، وتعود ملكيته للشيخ علي بن تمان المعشني ثم آل إلى الدولة في عهد السلطان سعيد بن تيمور آل سعيد.

وأقيم مبنى الحصن على الطراز العربي الإسلامي من حيث الشكل والتصميم والزخارف التي وضعت في هذا المبنى، ويضم تحصينات عديدة وتقسيمات وأبراجا ومخابئ ومداخل للأغراض الإدارية والعسكرية كعادة العمانيين عند تشييد هذه القلاع والحصون التي تشتهر بها السلطنة.
وخضع الحصن لعمليات ترميم وتطوير بإشراف وزارة التراث والسياحة في سلطنة عمان، ليتم تحويله إلى معلم سياحي وثقافي مفتوح أمام الزوار.
ويتميز الحصن بطرازه المعماري العماني التقليدي، إذ بُني من الحجر الجيري والطين، وتُزينه النوافذ الخشبية المنقوشة، ويضم برجين أحدهما دائري والآخر مربع الشكل، كانا يُستخدمان لأغراض الرصد والحماية.

ويضم الحصن ساحة داخلية واسعة، تحيط بها عدة غرف كانت تستخدم كمخازن للأسلحة والمؤن، وأخرى لإقامة الحاكم المحلي وعائلته، إلى جانب مجلس الاستقبال الذي كان يُعقد فيه مجلس الشورى المحلي ومجالس الحكم والصلح.
لم يكن حصن طاقة مجرد منشأة دفاعية، بل كان مركزًا اجتماعيًا وإداريًا وثقافيًا للمنطقة، وعلامة من علامات الانتماء والهوية، حيث شهد العديد من الأحداث واللقاءات التي شكلت جزءًا من تاريخ محافظة ظفار.

ويُعد الحصن اليوم من أبرز المعالم التي يقصدها زوار محافظة ظفار، خاصة خلال موسم "خريف ظفار"، الذي يُضفي على المنطقة طقسًا فريدًا وطبيعة خضراء ساحرة، ما يعزز من أهمية الحصن كوجهة سياحية ثقافية.
وتم تحويل الحصن في السنوات الأخيرة إلى متحف يُجسد الحياة التقليدية في محافظة ظفار، حيث تعرض داخله مقتنيات أثرية نادرة، وأدوات زراعية وملاحية وصناعية، وملابس تقليدية، إضافة إلى صور ومخطوطات توثق الحياة اليومية لأهل المنطقة في الماضي.

كما يضم الحصن لوحات تعريفية وسردًا بصريًا وتاريخيًا لتطور الحصن ووظيفته على مر السنين، ما يجعله مركزًا للتعلم والاستكشاف، لا سيما للمهتمين بالتاريخ والتراث العماني.
ويحظى حصن طاقة اليوم بمكانة مرموقة ضمن المسار السياحي لمحافظة ظفار، إلى جانب العديد من المواقع الأخرى مثل وادي دربات، وشاطئ المغسيل، ومدينة سمهرم الأثرية. وتُدرجه الجهات السياحية ضمن برامجها لكونه معلمًا يجمع بين التاريخ والجمال المعماري.

ويعتبر تطوير حصن طاقة واحدا من ضمن خطة شاملة تهدف إلى المحافظة على التراث العمراني العماني وتعزيزه ليكون رافدًا من روافد التنمية السياحية والثقافية، إذ يبقى حصن طاقة أحد الرموز التاريخية الخالدة التي تجسد العمق الحضاري والثقافي لظفار وعُمان عامة، وجسرًا يربط الماضي بالحاضر، عبر قصة معمارية وإنسانية تستحق أن تُروى للأجيال.
