رئيس مجلس الأدارة
خالد جودة
رئيس التحرير
هند أبو ضيف
هير نيوز هير نيوز
رئيس مجلس الأدارة
خالد جودة
رئيس التحرير
هند أبو ضيف

بقلم أصيل الجعيد: خطاب الكراهية بين الجنسين

هير نيوز

بقلم أصيل الجعيد: خطاب الكراهية بين الجنسين.. في المشهد السعودي اليوم، تتصدر منصات التواصل الاجتماعي أصوات مشوشة، تقتات من الألم وتبث الخيبة كأنها وعي جديد. رجل خذلته امرأة واحدة ينادي بأن النساء كلهن خائنات، وامرأة غدرت من رجل واحد تصرخ بأن الرجولة انقرضت. وهكذا، تتساقط القصص الفردية من رفوف التجربة، لتُعرض على أنها أحكام نهائية، وتُعبأ في مقاطع قصيرة، ويُعاد تدويرها حتى تغمر الوعي الجمعي. الفشل العاطفي لم يعد يُعاش كألم شخصي، بل أصبح سلعة، وخطابًا، وشكلًا من أشكال المجد الافتراضي.

بقلم أصيل الجعيد: خطاب الكراهية بين الجنسين.. هذه الأصوات لا تنطلق من رغبة في الإصلاح أو الفهم، بل من رغبة دفينة في ألا يشعروا بالخذلان وحدهم. إنهم لا يريدون تضميد جراحهم، بل أن يشعر الجميع بالجراح نفسها. في علم النفس يُعرف هذا بـ«السلوك الإسقاطي»، حين يعمم الإنسان ألمه كي لا يبدو شاذًا في ألمه، فيتغذى على مشاعر الشك والخوف التي يزرعها في الآخرين. المشكلة ليست في الفشل ذاته، فهو جزء من النضج الإنساني، بل في استبدال التجربة الشخصية بمنهج حياة، وتحويل الجرح إلى راية.

بقلم أصيل الجعيد: خطاب الكراهية بين الجنسين.. ولأن المجتمع يعيش تحولات كبيرة في مفاهيم الزواج والعلاقات والأدوار بين الجنسين، أصبحت هذه الأصوات تجد أرضًا خصبة. تتسلل إلى وعي الشباب الذين لم يختبروا الحب بعد، فيرتبكون بين ما يشتهونه من علاقة مستقرة، وما يُصوَّر لهم على أنه فخ أو خسارة. وهكذا، يتشكل جيل يتوجس من الحب قبل أن يعرفه، ويرتدي دروع الريبة في أول لقاء، ويُغرق روحه في نظريات الخداع والخذلان.

بقلم أصيل الجعيد: خطاب الكراهية بين الجنسين.. هذا الخطاب يسمم العلاقة الطبيعية بين الرجل والمرأة، ويحولها من ساحة مشاركة إلى ساحة معركة. الرجل بات يخشى أن يُستغل، والمرأة تخشى أن تُخذل. الثقة، تلك الأرض الهشة التي تُبنى عليها كل علاقة إنسانية، لم تعد تُمنح بل تُفاوض عليها، وكأننا نكتب عقد هدنة لا وعد مودة.

بقلم أصيل الجعيد: خطاب الكراهية بين الجنسين.. وليست السعودية وحدها من واجهت هذه الحالة، فدول أخرى خاضت التجربة. كوريا الجنوبية مثال معبّر، إذ شهدت خلال العقد الماضي تصاعدًا في خطاب الكراهية بين الجنسين على منصات الإنترنت، وصل إلى درجة عزوف جيل كامل عن الزواج والارتباط. الدولة هناك تعاملت مع الظاهرة بجديّة، عبر حملات توعية، ومناهج مدرسية تُعزز مفاهيم الذكاء العاطفي، وبرامج علاجية جماعية تساعد الشباب على تجاوز تجاربهم دون أن يحوّلوها إلى مواقف أيديولوجية. كما دعمت الحكومة المحتوى الإعلامي المتوازن، وواجهت المنصات المسيئة بقوانين صارمة، مما أدى إلى تراجع ملحوظ في انتشار الخطاب العدائي.

بقلم أصيل الجعيد: خطاب الكراهية بين الجنسين.. لمواجهة هذه الظاهرة في السياق السعودي، نحن بحاجة إلى استعادة النبرة العاقلة، لا عبر القمع، بل بالتوازن. نحتاج إلى خطاب بديل ينطلق من الفهم لا الإدانة، من التجربة المتزنة لا الجراح النازفة. لا بد أن نعيد الاعتبار للقصص التي لم تُروَ، للزيجات الناجحة التي لا تُكتب عنها تغريدات، للعلاقات التي نجت من العاصفة دون أن تتباهى بذلك. فالسليم لا يصرخ، ولهذا لا يُرى.

كما أننا بحاجة إلى مبادرات نفسية واجتماعية تعيد تعريف الفشل. أن نُخبر الشباب أن تجربة واحدة لا تمثل الحقيقة، وأن الإنسان لا يُعرّف بمَن كسره، بل بكيف نهض. نحتاج إلى إعلام يعرض الحب لا كحكاية مثالية، بل كرحلة فيها الألم والتفاوض والصفح. ونحتاج إلى قانون يحمي الخطاب العام من التحريض الجنسي المغلف بالخذلان.

وفي نهاية الأمر، العلاقة بين الرجل والمرأة ليست تحديًا بيولوجيًا أو صراعًا تاريخيًا، بل هي رقصة معقدة من الثقة، والحذر، والحنين. وإذا كان بعضهم يصر على تصدير فشله، فعلينا نحن أن نصدر الأمل، لا بالخطابة، بل بالقدوة. فلا تسمع لمن يحدثك عن الحب لأنه خذله، بل لمن جربه، وسامح، واستمر.

نقلا عن الوطن السعودية

تم نسخ الرابط