وداع حزين أمام مستشفى فؤاد خوري للفنان زياد الرحباني

بدأت، في الساعات الأولى من فجر يوم الإثنين، 28 يوليو 2025، بيروت بإلقاء تحية الوداع على أحد أبرز رموزها الثقافية، الفنان الراحل زياد الرحباني، الذي شكّل بصوته وكلماته ومسرحه ضمير أجيال كاملة.

جنازة زياد الرحباني
احتشد الأصدقاء والمحبون أمام مستشفى فؤاد خوري في الحمرا، حيث وُضع جثمان زياد الرحباني في قاعة خاصة لتلقي النظرة الأخيرة، والمشهد كان استثنائيًا بكل المقاييس، فالساحة غصّت بالحشود، والزغاريد اختلطت بالدموع، والتصفيق الحار حمل في طياته مشاعر حب عميقة وحزن بالغ، من واكب زياد في مسيرته الطويلة، في مسرحه وكلماته وألحانه، شعر وكأنه يودّع جزءًا من ذاته، ومن ذاكرته.
فيما انطلقت جنازته، بعد توافد الناس إلى المستشفى، في موكب مهيب نحو كنيسة رقاد السيدة في المحيدثة، بكفيا، حيث تُقام الصلاة لراحة نفسه عند الساعة الرابعة عصرًا، تحوّلت الطريق المؤدية إلى الكنيسة إلى مسيرة وداع طويلة، اصطفّ فيها المئات من المشيعين وهم يحملون صوره ويرددون أغانيه المحببة، في مشهد تتداخل فيه الزغاريد بالدموع، وتغلفه رهبة الفقدان وسمو الإرث الذي تركه خلفه.
كما فُتح صالون كنيسة رقاد السيدة من الساعة 11 صباحًا حتى 6 مساءً لتقبل التعازي من محبّيه ورفاق دربه، ومن وجوه الفن والإعلام والسياسة، وبدا المشهد داخل الكنيسة شاهداً على حجم الأثر الذي خلّفه زياد الرحباني، حيث التقى جيل الستينيات بجيل اليوم في ممرات الذاكرة، وتقاطعت النظرات والدموع، وتتواصل مراسم العزاء يوم الثلاثاء 29 يوليو في التوقيت نفسه، بينما لا تزال الكلمات والمشاعر تودع الغائب الحاضر بفنه.

فيروز بجنازة نجلها زياد الرحباني
وقد خيمت أجواء مؤثرة لحظة نزول الفنانة فيروز من السيارة، حيث استقبلها الحاضرون بتصفيق حار وسط حضور أمني وإعلامي كثيف، بينما بدت مشاعر الحزن واضحة على وجوه الجميع، في مشهد مؤلم لأم تودّع ابنها علنًا في جنازة زياد الرحباني.
وداخل كنيسة رقاد السيدة في المحيدثة، حيث أُقيمت الصلاة لراحة نفس الراحل، جلست فيروز بصمت، يلفها السكون والهيبة، في مشهد يفيض بالحزن والاحترام.
بينما توافد العديد من الشخصيات الرسمية والفنية والعائلية لتقديم واجب العزاء، فيما انتشرت صور فيروز بسرعة على وسائل التواصل الاجتماعي، وعبّر كثيرون عن تأثرهم العميق بهذا الظهور النادر، مشيدين بثباتها رغم الألم الكبير الذي تحمله في قلبها لوفاة ابنها زياد الرحباني.

تدخل طبي عاجل في منزل فيروز ببيروت
وبحسب شهود عيان، كان توجه فريق طبي بشكل فوري إلى منزل السيدة فيروز في بيروت فور انتشار خبر وفاة نجلها الموسيقار زياد الرحباني، حيث سادت أجواء من الحزن العميق والذهول داخل المنزل وبين أفراد العائلة والمقرّبين منها.
ولم تكن العلاقة بين فيروز وزياد مجرد رابطة أم بابنها، بل كانت شراكة إنسانية وفنية نادرة امتدت لعقود. فقد برزت ملامح هذا الترابط الفني منذ بدايات زياد المبكرة، حين قام بتأليف أغنية "سألوني الناس" لوالدته وهو لم يتجاوز الخامسة عشرة من عمره، في فترة كان فيها والده عاصي الرحباني يمر بأزمة صحية، وقبيل عرض مسرحية "المحطة".

ماذا قال زياد الرحباني في لقائه الأخير؟
من جهة أخرى، قال زياد الرحباني في لقائه الإعلامي الأخير: "الوحدة أكثر ما يشغلني. أعترف أنني السبب في ذلك، لكن من دون قصد. أعيش على رجاء الله فيما يخص صحتي، لكنني أحب النوم، رغم أنني لا أستطيع النوم لأكثر من ساعتين في اليوم."، وكانت الوحدة بالنسبة إليه أكثر من مجرد حالة مؤقتة، بل شعور متجذر، يرافقه كلما حاول الهروب نحو الهدوء.
وفي سياق حديثه، لم يُخفِ قلقه الدائم من تدهور الأوضاع السياسية في لبنان، وقال بصراحة: "السياسة ليست مجرد اهتمام بالنسبة لي، بل هي وطني، قدري، مستقبلي، وأطفالي. هناك من يحب التنس، وآخرون السياسة. أما أنا، فهي ليست مجرد خيار... إنها كل شيء."، ورأى زياد الرحباني أن التقدم في السن بدأ يؤثر على نمط حياته، مضيفًا: "الوضع لا يزال سيئًا، وأشعر بأنني لم أعد أنال قسطًا كافيًا من النوم، ربما بسبب كبر السن."