الجمعة 26 أبريل 2024 الموافق 17 شوال 1445
رئيس مجلس الإدارة
خالد جودة
ads
رئيس مجلس الاداره
خالد جوده

بربارة.. قديسة نيقوميديا التي قتلها أبوها

الجمعة 12/مارس/2021 - 10:41 ص
قديسة نيقوميديا
قديسة نيقوميديا

"هاشلي بربارة.. مع بنات الحارة"، أغنية شدت بها الشحرورة صباح، تخلد ذكرى الاحتفال بعيد القديسة بربارة لدى الطوائف المسيحية.

بربارة، التي وُلدت أوائل القرن الثالث الميلادي فى مدينة نيقوميديا المطلة على بحر مرمرة في تركيا، كانت جميلة جدًا، كأنما استعارت من موج البحر زرقة عينيها ومن فيروز الشاطيء ملامح وجهها البريء، لكنّ دمعة أسى لم تكن تفارق عينيها اللامعتين دائمًا حزنا على فراق أمها التي توفيت عقب ولادتها.

كان والدها وثنيًا متشددًا، ومن أشراف مدينته، يكره المسيحية ويرفض التخلّي عن عبادة الأصنام، ولشدة خوفه من استغلال ابنته واستقطابها للمسيحية، قرّر حجبها عن الأنظار فأسكنها في قصر ذي أسوار عالية ووضع على بوابته حراسة مشددة تضم فريقا من خدمه وعبيده يشرف عليهم واحد من أخلص رجاله، لكن الفتاة شكت لأبيها من أنّ القصر المنيف يشبه الزنزانة، ونظرًا لحبه الشديد لها حاول التخفيف عنها فجعل فيه كل أنواع البهجة والمسرّات، وكانت لا تستطيع أن ترى المدينة إلاّ من غرفة واحدة ذات نافذتين من أعلى برج في القصر.

وعندما شبّت الفتاة عن الطوق، استقدم لها أكفأ المعلمين، رغبةً منه في إلمامها بشتى العلوم والثقافات، وهنا كان مربط الفرس.

كان من بين المدرسين الذين يعلّمون الفتاة معلم مسيحي، لقّنها أصولَ ديانته، فاقتنعت بها واعتنقتها، وبدأت في التواصل مع بعد ذلك أرسلت أوريجانس كبير أساتذة معهد الإسكندرية، شرحت له أفكارها، فأعجبته وأرسل لها رسالة مع تلميذه فالنتيانس ليعلّمها ويُفسّر لها أسرار الدين المسيحي.

عندما اقتنعت تمامًا بالمسيحية، وألمّت بتفاصيلها كديانةٍ سماوية تختلف كليًا وجزئيًا عمّا يؤمن به قومها، أوعزت إلى خدّامها بتحطيم الأصنام في القصر، وهو الأمر الذي أفزع الوالد، فقرّر أن يمنع عنها الطعام جزاء لها.
نجت بربارة في الهروب من القصر، لكن والدها صاحب النفوذ القوي والذراع الطويلة استطاع إعادتها مرة أخرى ووضعها داخل قبو مظلم.

قضت ليلة ليلاء، تنهمر دموعها خوفًا من الظلام الدامس، ورعبا من أصوات الوحوش الضارية التي تعوي في البرية الموحشة خارج القبو، فتذكرت إيمانها وراحت تردد "عليك يارب توكلت.. لا تدعني أخزى مدى الدهر.. بعدلك نجني"، فاستشعرت نور الحق يملًا قلبها فهدأ روعها واطمأنت، فراحت تنظر بعينيها إلى سقف القبو وتقول "كن لي صخرة حصن، بيت ملجأٍ لتخليصي"، واختلطت دموع الأسى بروعة الاطمئنان فأضافت "لأن صخرتي ومعقلي أنت.. من أجل اسمك تهديني وتقودني، أخرجني من الشبكة التي خبأوها لي، لأنك أنت حصني".

وبقيت تردد ما تحفظ من مزامير وأصحاح، حتى هدأ روعها وغلبها النوم، وفي الصباح، أخذها والدها إلى الوالى مركيانوس، وقص عليه قصتها فغضب منها وأمر بسجنها وتعذيبها.

في زنازين الوالي، ذاقت كل أنواع العذاب، فكان زبانيته يمشّطون جسدها بأمشاط حديدية ويضربونها بمخارز حديدية، فتمزّق جسدها وتفجّرت دماؤها وهى صابرة وصامتة.

كانت تتلقى في كل يومٍ وصلة تعذيب، ثم تعاد إلى الزنزانة الباردة المظلمة، حتى تستريح قليلًا، ثم يعاود الزبانية تعذيبها في الصباح.

في واحدة من الليالي، كانت تتألم لفرط ما تلاقيه من عذاب، غلبها النوم فظهر لها المسيح مسح بيديه على جروحه فتعافت، وحين أشرقت الأرض بنور ربها وحلّ موعد الجرعة التالية من التعذيب، فوجيء الحراس الذين اقتادوها إلى غرفة التنكيل، بأنها سالمة لا جراح فيها ولا أثر لعذاب، فتعجبوا لأمرها، وهرع أحدهم إلى الوالي فأخبره خبرها، فقال إن الآلهة قد شفتها وضمّدت جراحها، لكنها قالت إنها رأت المسيح ومسح على جراحها فتعافت، فغضب الحاكم وأمر بقطع رأسها خارج المدينة وعندما وصلت إلى الجبل جثت على الأرض وضمّت يديها إلى صدرها بشكل صليب وحنت هامتها، عندئذ طلب والدها أن يقتل ابنته بيده فسُمِحَ له، فتناول الفأس وضرب به عنقها.

وفي طريق عودته إلى قصره، كان فأسه في يده يقطر بدم ابنته وقبل وصوله أبواب المدينة انقضّت عليه صاعقة فأحرقته، فعلم الناس أنها كانت على الحق، فخلّدوها وجعلوا منها قديسة.

ads