الجمعة 26 أبريل 2024 الموافق 17 شوال 1445
رئيس مجلس الإدارة
خالد جودة
ads
رئيس مجلس الاداره
خالد جوده

حازم البهواشي يكتب: هل جالستَ إمَّعَة؟!!

الأربعاء 02/نوفمبر/2022 - 10:49 ص
هير نيوز

لعل هذه الكلمة ( إمَّعَة ) من بين الكلمات الفصيحة التي يَعرِفُ العامَّةُ معناها دون حاجةٍ إلى سؤال، يعرفون هذا الوصفَ جيدًا، ولا يُحب أحدٌ _ قطعًا _ أن يُوصفَ به.

 

والإمَّعَة هو التابعُ الذي لا رأيَ له، يُقلِّدُ تقليدًا أعمى، يُلغي عقله بكل سهولة، يُوافقُ كلَّ إنسانٍ على ما يُريده، ليس من باب (تكبير الدماغ) ولكن من باب (انعدام الدماغ)، ليس من باب (التفكير) للوصول إلى رأي ربما يتفقُ أو يختلف، ولكن من باب انعدام القدرة على تكوين رأي، وبالتالي استسهال الانهزامية والسير في ركب الآخرين!! الإمَّعَة مع الجميع، وبالتالي هو ضدُّ الجميع!! سهلُ الانقياد، بل يَتبرعُ هو بأن ينقاد!!

 

منذُ قديم الأزل اكتفى البعضُ بتقليدِ الآباء، وزهَدُوا في الإيمان بالأنبياء!! ومَن كان مُنصفًا اتَّبعَ الحَقَّ قطعًا؛ فإنه لا أُسوةَ في الشر. الإمَّعَة يميل حيث مالَ سيدُه، يبحثُ دائمًا عمَّن يقودُه، فإنِ اجتمعَ سيِّدان له أو أكثر وقعتِ الواقعة!! فما يَدري مع أيهما يكون؟! فقد أوهمَ الجميعَ أنه معهم ليُحافِظَ على خَطِّ الرجعة، وقد وشَى بالجميعِ لدى الجميع ليُوقِعَ بينهم الشحناءَ والبغضاء، ويظلَّ هو ( حبيب الكل )!!

 

الإمَّعَة من فئة المنافقين، انتهازيٌّ متلون، حذر رسولُ الله من هذه الصفة، في حديث حذيفة بن اليمان _ ومعناه صحيح _: (لا تكونوا إمَّعَة، تقولون: إنْ أحسنَ الناسُ أحسَنَّا، وإنْ ظلَمُوا ظَلَمْنَا، ولكنْ وطِّنُوا أنفسَكم، إنْ أحسنَ الناسُ أنْ تُحسِنُوا، وإنْ أساؤوا أن لا تَظلِمُوا) فـ ( إنَّ شرَّ الناس ذو الوجهَين، الذي يأتي هؤلاءِ بوجه، وهؤلاءِ بوجه )، و ( مَن كان له وجهان في الدنيا كان له يومَ القيامة لسانان من نار )، فكما كان له في الدنيا لسانان ينطق حسْبَ هوى من معه، استحق هذا النوعَ من العقوبة في الآخرة، ( لا ينبغي لذي الوجهين أن يكون أمينًا ) بل هو الخائنُ الضَّارُّ، المُخادع الغادرُ، الغاشُّ المُسيءُ، المُعتدي المُتعدِّي!!

 

حكى لي الشيخُ الكبير وهو يضحكُ ساخرًا من نفسِه ومِن ماضيه _ الذي ربما لا يزال حاضرًا؛ فعلى حد قوله: الإمَّعة يصعُبُ عليه التوبة !!_ حكى قائلًا: ( أمَّا أنا كنت إمَّعَة ماليش زيّ !! ماحِبِّش حَدّ يزعل مني، فكل الناس زعلوا مني، عاوز مصلحتي فخسرت مصلحتي، عملت خَدِّي مداس فـ (انداس)، وبعد ما كان وِشِّي مِستخبي بقى مكشوف!! بِعْت نفسي، وغيري قبض التَّمَن، ودي خُلاصة الحكاية يا ابني، واللي مش مصدق يا ريت ما يجرّب )!!

 

قلتُ في نفسي بعدما سمعتُ الشيخ: ربما لن يستفيد أحدٌ من تجربتك، لكنَّ التعميمَ مرفوض!! الشبابُ يُقلدُ بعضُه بعضًا في قاموس الكلمات البذيئة، وملابس الشحاذين التي هي (موضة)، و(قَصَّة) الشَّعَر، وسماع الأغاني الهابطة، تشابهَ الجميعُ في المظهر والملبس والتفكير، دون وعيٍ أو حُكمٍ على ما يُقلدون، فصارت العقولُ والوجوهُ أقنعةً مُبهمة، لا تعي ولا تُبصر، تفكرُ بأسلوبٍ واحد _ وهو أمرٌ ضد منطق الحياة _، الكل يسير مع رياح التبعية والتقليد ولا يهتم، لا يعرف هُويته ولا يهتم، ويرى أنه لا حرج عليه؛ فالكل مثلُه سهلُ الانقياد!! نظرة إلى أي (مول) تِجاري، لتكتشفَ أنك تتصفَّحُ كتابًا فارغًا جميعُ صفحاتِه متشابهة، والمُختلِف يعتبرونه (مُتخلِّفًا _ دقة قديمة)!!

 

نصح الأبُ ابنَه يومًا فقال: (لا تُلْغِ عقلَك، وزِدْ مِن وعيِك؛ حتى لا تسيرَ تحت مِظلةِ الآخرين، ولا تنخدعْ بأحد، وابنِ لنفسِك كِيانًا يرتقي بك، لتكُنْ نفسَك، ولتَسْعَ لإرضاءِ ربِّك).

ads