الأحد 19 مايو 2024 الموافق 11 ذو القعدة 1445
رئيس مجلس الإدارة
خالد جودة
ads
رئيس مجلس الاداره
خالد جوده

بقلم ميسون الدخيل: سلبيات جذب الحسد

الثلاثاء 18/يوليه/2023 - 03:30 م
هير نيوز

من القيم الإسلامية أن تعيش بشكل متواضع، أي عدم المبالغة في المظاهر وعدم التباهي بثروتك والنعم في حياتك! فعندما تعيش عكس هذه القيم أنت ببساطة تجذب إليك المشاكل! وأغلب هذه المشاكل نابع من حسد أولئك الذين يكرهون مظاهر النعم على الآخرين، خاصة من الذين لا يريدون أن يكون غيرهم في قلب دائرة الضوء، ويعتبرون كل صاحب نعمة، تشكل تهديدًا لراحتهم النفسية أو خطرًا على نفوذهم وهيبتهم، عدوًا يجب إزاحته أو الأقل التشفي بأذيته.

غالبًا ما يُنظر إلى الحسد بأنه سمة من سمات أولئك الذين ليس لديهم ما لدى الآخرين من مادة أو مهارات أو فرص، ولكن في الواقع هذا الافتراض ليس دائمًا دقيقًا، لأن الغالبية من الناس ممن ليس لديهم ما لدى الغير من النعم لا يقضون حياتهم في التركيز على ما عند الآخرين، ولا حتى يتمنون زوال النعم عنهم! ولكن نقطة يجب ألا نغفل عنها أن الحسد يمكن أن يثار حتى من قبل أولئك الضعفاء ممن لديهم ما لدينا، لأنهم ببساطة لا يريدوننا أو أي شخص آخر أن يحصل عليه، فهذا النوع من الحسد يلعب دورًا مهمًا في حياتنا وغالبًا ما يتم إغفاله!

أحد المخاطر التي يمكن أن يأتي بها جذب الحسد من الأشخاص الذين لديهم ما لدينا هي عندما يشعرون أننا نشكل خطرًا عليهم، قد يكون ذلك بسبب شعورهم بالتهديد من مهاراتنا أو إنجازاتنا، أو أنهم ببساطة لا يحبون رؤية الآخرين ناجحين على سبيل المثال، لنفترض أن زميلك في العمل لديه المسؤوليات الوظيفية نفسها، هنا قد يغار إذا تلقيت ردود فعل إيجابية من مرؤوسيك، أو أن اسمك رفع للإدارة العليا كعضو فاعل ومنتج، بدلاً من أن يكون سعيدًا من أجلك، قد يشعر بالمرارة والاستياء، مما قد يؤدي به إلى محاولة تقويض نجاحك حتى وإن كان سوف يترك العمل إلى مكان آخر، المهم ألا تهنأ أنت بالمكان! هذا الحسد التنافسي لا يقتصر على امتلاك ما لا يمتلكه الآخرون فحسب، بل يتعلق أيضًا بالحد من نجاح كل آخر يعتبرونه خطرًا لحماية نجاحاتهم، وقد يكون لمجرد التشفي بسبب ما يملكون من نفوس مريضة تسعد بأذية الآخر!

سبب آخر لجذب الحسد هو الخوف من فقدان التفوق حسب رؤية الحاسد لنفسه، أو قد يكون بسبب عدم الرغبة في مشاركة الغير بالأضواء! ففي كثير من الحالات، يريد الحاسد الحفاظ على الوضع الراهن أو منع الآخرين من أن يُنظر إليهم على أنهم متساوون معه؛ على سبيل المثال، تخيل أنك تشتري سيارة جديدة تحتوي على أحدث الميزات وتجذب الكثير من الاهتمام، هنا قد يشعر زميل عمل الذي كان يملك في السابق أفخم سيارة في الشركة بالتهديد والخجل لأنه لم يعد مركز الاهتمام، وعليه قد يبدأ في نشر الشائعات أو الانخراط في سلوكيات سلبية مثل وضع التحديات أو التشويش على أدائك! ويذكر المختصون من علماء النفس بأن الحسد يمكن أن يوجد أيضًا داخل الذات! بمعنى أنه حتى عندما يكون لدى الفرد كل ما يحتاجه أو يريده، يمكن أن ينتج هذا النوع من الغيرة الداخلية عن عدم الرضا عن النفس، وإلقاء هذه المخاوف على الآخرين فيظهر ذلك بطرق مختلفة، مثل النقد المفرط لإنجازات الآخرين أو البحث عن عيوب في نجاح شخص ما!

إن جذب الحسد، خاصة في مكان العمل، يمكن أن يكون لعبة خطيرة! عندما ننظر إلى الناس بشكل سلبي، فإننا نميل إلى الفشل في ملاحظة احتياجاتهم ونبعد أنفسنا عنهم، وذلك النقص في التعاطف مع احتياجات الآخرين يمكن أن يقودنا إلى الانخراط في سلوكيات تثير الحسد لدى الآخرين! كيف؟! عندما نتفاخر بنجاحاتنا أو لفت الانتباه إلى نعمنا سواء كان عن قصد أو غير قصد، فهنالك من يقول طالما أنه لدي نعمة فلملا أتمتع بها؟ تستمتع نعم لكن ليس على مشاعر من حولك، فقد يكون هنالك من يمر بأزمة، أنت هنا لا تجازف بجذب الحسد فحسب بل وأيضًا حتى الكراهية، مرة أخرى تستمع نعم ولكن لا «تدحشها دحش» في أنوف من حولك، كمن ينطبق عليه المثل: «شوفوني ولا تنسوني»! لا يضر هذا السلوك بعلاقاتنا فحسب، بل يمكن أن يؤثر سلبًا على ثرواتنا، فقد يتحول هذا الاهتمام الذي نسعى إليه إلى سموم ترد إلينا بشكل أو بآخر؛ أي تعود الدائرة إلينا سلبيًا، مما قد يؤدي بنا إلى فقدان كل من الثروة التي نتباهى بها إضافة إلى احترام زملائنا!

العيش المتواضع يشمل تجنب الإفراط في المظاهر والتباهي بثروتنا أو بنجاحاتنا، فمن المهم أن نفهم أن الممتلكات المادية لا تحدد قيمتنا، إنها مجرد أشياء نستخدمها لجعل حياتنا أكثر راحة، وبدلًا من التركيز على ما لدينا أو ما نريده، يجب أن نركز على ما يمكننا أن ننميه في ذواتنا من قدرات أو ماديات من أجل منفعة الآخرين. بهذه الطريقة، يمكننا بناء علاقات قوية وذات مغزى مع من حولنا، كما يجب أن نسعى أيضًا لنكون عادلين نعكس دماثة الأخلاق ومتواضعين في جميع جوانب حياتنا، إنها قيم تعاليم ديننا الحنيف الذي يحثنا ويذكرنا بالمعاملة الحسنة والاحترام والشفقة، واستخدام ثرواتنا ونجاحاتنا لخدمة مجتمعاتنا؛ بمعنى العيش بتواضع مركزين على التعاطف مع الآخرين.

نقلا عن الوطن السعودية


ads
ads