بقلم عبدالله المليباري: نستثمر في صحة الطفل لوطن أكثر قوة
في المملكة العربية السعودية، تظهر المؤشرات الصحية أن السنوات الأولى من عمر الطفل تحظى بأولوية عالية في الرعاية، حيث خدمات التحصين والرعاية الوقائية جزء ثابت من نظام صحي يهدف إلى حماية الجيل الناشئ منذ أيامه الأولى.
بهذه الأرضية المتينة من الرعاية الأولية، يأتي دور المجلس الصحي السعودي اليوم أكثر وضوحا وإستراتيجية. فاعتماد عدد من القرارات والسياسات الوطنية الخاصة بصحة الطفل وجودة الرعاية المقدمة له ليس مجرد إجراء إداري، بل خطوة نوعية في بناء مستقبل صحي متوازن لأطفال المملكة. إنه إعلانٌ صريح أن صحة الطفل ليست مسؤولية وزارة بعينها، بل مشروع وطني تتكامل فيه القطاعات الصحية، والوقائية، والتشريعية، والمجتمعية.
تتوسع هذه السياسات في رؤيتها لتشمل الجوانب الطبية والوقائية والنفسية والاجتماعية، مع نظرة شمولية للطفل بوصفه اللبنة الأولى في بناء المجتمع. فالمتابعة الصحية للنمو، والتغذية السليمة، والفحص المبكر، والدعم النفسي، كلها تشكل منظومة متكاملة تضمن بيئة صحية متوازنة للطفل.
هنا يمكن ملاحظة بعد آخر لهذه السياسات: بناء وعي صحي طويل الأمد. فصحة الطفل لا تقاس فقط بخلوه من المرض، بل بقدرته على بناء عادات تستمر معه حتى البلوغ والرشد. تعليم الطفل معنى النوم الكافي، والرياضة المنتظمة، واختيار الغذاء الصحي، ومعنى الصحة الشمولي هو استثمار في إنسان المستقبل، وليس استهلاكا لموارد الحاضر.
لكن الواقع الحديث يفرض تحديات جديدة لم تكن بالحدة نفسها قبل سنوات. فالطفل اليوم يعيش في عصر تتداخل فيه العوامل الرقمية والسلوكية والغذائية مع صحته المباشرة. نمط الحياة الخامل، كثرة الجلوس أمام الشاشات، قلة النوم، التوتر الاجتماعي، وتغير أنماط الغذاء نحو الأغذية المصنعة والسريعة كلها تترك أثرها في صحة الأطفال اليوم. وحتى إن كانت الأمراض المعدية تحت السيطرة، فإن السمنة المبكرة واضطرابات النوم والمشاكل النفسية أصبحت من القضايا التي تحتاج إلى مواجهة واعية.
ومن هنا تنشأ مسؤولية مشتركة فالأسرة تضبط العادات اليومية وتخلق بيئة منزلية صحية، والمدرسة تبني سلوكيات تعلم ونمو نفسي سليم، بينما النظام الصحي يركز على الوقاية والفحص المبكر، والتشريعات الوطنية تضع المعايير وتحد من المؤثرات السلبية على صحة الطفل.
هذا التكامل يجعل من صحة الطفل نموذجا مصغرا لصحة المجتمع. طفل ينمو بطمأنينة ووعي صحي ومحيط داعم، سيتحول إلى بالغٍ منتجٍ ومتوازن قادر على الإسهام الفعال في وطنه.
وعلى المستوى الوطني، ينسجم هذا التوجه مع أهداف جودة الحياة ورؤية المملكة 2030، حيث تُعد صحة الإنسان حجر الأساس في التنمية الشاملة. وبشكل خاص في اليوم العالمي للطفل، لا تكتفي المملكة بالاحتفاء الرمزي، بل تطلق مبادرات وسياسات تنعكس فعلا على جودة حياة الطفل، وحقوقه الصحية، والسلامة الجسدية، والنفسية.
رحلة بناء جيل يتمتع بالصحة والرفاه ليست حدثا أو قرارا واحدا، إنها سلسلة من الجهود المستمرة تبدأ منذ الطفولة وتمتد حتى يصبح الطفل مواطنا بالغا متوازنا ومحصنا صحيا ونفسيا. هذه الرحلة اليوم أكثر وضوحا من أي وقت مضى لوجود نظام صحي ممكن، وأسرة حاضنة واعية، ومجتمع داعم تكون جدران الحماية التي ينمو داخلها مستقبل الوطن.