مقالات

شيماء المرزوقي تكتب: صناعة القدوة

الأربعاء 03/مارس/2021 - 10:18 م

يمكن الملاحظة بسهولة أن في العالم الكثير من العلماء - سواء كانوا معاصرين أو رحلوا - الذين خلدّوا أفكارهم وإبداعاتهم ومخترعاتهم بيننا، والحقيقة التي نعلمها جميعًا أن بين يدي البشرية بأسرها اليوم معارف وعلوم ومخترعات ساعدت على أن نعيش حياة مميزة وأكثر راحة واستقرارًا وتفوقًا، ونعلم في الوقت نفسه أن البعض من تلك المخترعات والمبتكرات أحدثت نقلة مدوية في مسيرة البشرية، وأنه لولاها، ربما، لاستمرّ الإنسان يعيش في الكهوف، ويتنقل بحذر وخوف خلال بحثه اليومي عن الطعام.

رغم كل هذا الأثر الكبير العظيم، فإننا بطريقة أو أخرى نجهل هؤلاء العلماء. وعدم المعرفة ليس هو المعضلة، لكن توجد وسائل وتقنيات تحاول صناعة القدوة والمثل الأعلى للأجيال الجديدة من أناس لم يقدموا للبشرية شيئاً يُذكر، سوى أنهم تميزوا في شأن ترفيهي أو رياضة ما، أو في موضوع ذي طابع استهلاكي.

هذا التنكر أو عدم الاهتمام عندما يصدر من مؤسسات أو جهات ذات طابع ربحي وتوجهها الكسب المالي وحسب، لا يمكن أن تُلام، لكن من غير المعقول أن تكون هناك جهات تعليمية ومعرفية وتنويرية، وتتجاهل مثل هذا الموضوع.

وعندما نستحضر المناهج التعليمية فأنا لا أشير لبلد دون سواه، بل إنني أعمّم على جميع الدول في العالم، خاصة عالمنا العربي. الشوارع تكاد تخلو من تدوين أسماء هؤلاء العلماء، ولا نقيم نصباً تذكارياً يُكتب أسفل منه اسم العالم وتاريخ ميلاده ووفاته، وموجز عن حياته وأهم ما قدمه. قبل فترة كانت تحدثني صديقة قضت بضعة أيام في إسبانيا في رحلة سياحية، وصدمت خلال رحلتها في غرناطة عندما شاهدت نصباً تذكارياً لابن رشد، والوفود السياحية تتوقف أمامه، ويشرح لهم المرشد السياحي ما قدمه هذا العالم المسلم للبشرية، وأين عاش وأهم مراحل حياته. تقول هذه الصديقة: «رغم أنني شاهدت متاحف كثيرة وقصور غرناطة العربية، ومنها قصر الحمراء، إلّا أنني بكيت حزنًا على فضيلة العرفان في عالمنا العربي، وذهولاً من احتفاء الغرب وحرصه على تكريم العلماء بغض النظر عن جنسياتهم، فقط النظر لما قدموه للبشرية من خدمات، ليس في غرناطة وحسب، بل في معظم الجامعات الأوروبية».

أتمنى أن نشاهد مُبادرة أو توجهًا للنظر للعلماء ومنجزاتهم وتكريمهم وإظهار جهودهم، وأثرها على جميع المجتمعات الإنسانية.

- صحيفة الخليج الإماراتية