السبت 27 أبريل 2024 الموافق 18 شوال 1445
رئيس مجلس الإدارة
خالد جودة
ads
رئيس مجلس الاداره
خالد جوده

هل عملية شد الوجه لإزالة التجاعيد تغيير في خلق الله؟ المفتي يُجيب

السبت 16/سبتمبر/2023 - 10:51 م
عملية شد الوجه
عملية شد الوجه

تلقت دار الإفتاء المصرية، سؤالا جاء فيه: "ما حكم إجراء عملية شد الوجه لإزالة التجاعيد، حيث إن زوجتي تعاني من ترهل شديد بجلد وجهها لتقدمها في السِّن ومن آثار الحمل والولادة، وهذا كثيرًا ما يضايقها نفسيًّا ويجعلها تلح في عمل عملية لشد هذه الترهلات، وقد سمعت أن هذه العملية ممنوعة؛ لأنها من تغيير خلق الله تعالى، فأرجو الإفادة عن الرأي الشرعي في ذلك".

 

حكم إجراء عملية شد الوجه لإزالة التجاعيد

ويجيب عن ذلك السؤال، فضيلة الأستاذ الدكتور شوقي إبراهيم علام، مفتي الجمهورية، والذي قال: لا مانع شرعًا من إجراء عملية شد الوجه لمعالجة ما يصيبه من تجاعيد وترهلات إذا قرَّر الطبيب المختص أنها لا ينفعها غيرُ هذه الوسيلة وحدَها.

ولا يتوهم بأن هذا الفعل يدخل في عموم النهي عن تغيير خلق الله؛ فإنه لا يدل على المنع في مسألتنا، ووجه ذلك: أنه على فرض أن المراد هو تغيير الأحوال الظاهرة فإن المنهي عنه هو العدول عن صفة الخِلْقة أو صورتها التي تعرف بها بالإزالة أو التبديل.

وأضافت دار الإفتاء ان شد الوجه لا تغيير فيه للصورة أو الصفة بل هو نفس الوجه والصورة؛ فغاية الأمر هو إعادة الوجه للأمر الذي كان عليه مِن صورته التي هو عليها دون تغيير أو تبديل لصورته الأولى، فتغيير صورة الشيء إنما يكون بإزالته وتبديله لا بترميمه وتجميله.

 

حكم إجراء عملية شد الوجه لإزالة التجاعيد

المقاصد الباعثة لإجراء مثل هذه العمليات تدور حول إعادة المظهر الجمالي لوجه المرأة إلى أصل الِخلْقة الإنسانية الحسنة التي خلقها الله تعالى عليها، حيث قال عزَّ وجلَّ: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ﴾ [التين: 4].

فإجراء عملية شد الوجه للمرأة بعد إصابته بالتجعد أو الترهل أو تغيير لونه هو في حقيقته إعادة له إلى أصل صورته الحسنة التي خلقه الله تعالى، وداخلٌ في معاني ومقاصد ما كانت تفعله نساء الصحابة رضي الله عنهنَّ من اتخاذهنَّ الورس على وجوههنَّ لإزالة ما يطرأ عليها من تغيير للون البشرة بظهور البقع والكَلَف جراء الحمل والولادة.

فقد جاء عن أم المؤمنين السيدة أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها أنها قَالَتْ: «كُنَّا نَطْلِي وُجُوهَنَا بِالْوَرْسِ مِنَ الْكَلَفِ» أخرجه الإمام أحمد في "المسند".

ويزداد الحث على فعل ذلك إن كان بقصد التجمل للزوج وطلب الحُسْن في نظره؛ لما ورد في حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: سُئل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: أَيُّ النِّسَاءِ خَيْرٌ؟ قَالَ: «الَّتي تَسُرُّهُ إِذَا نَظَرَ» أخرجه الإمام أحمد في "المسند".

وعن بَكْرَة بنت عقبة: أنَّها دخلت على أمِّ المؤمنين السيدة عَائِشَةَ رضي الله عنها وهي جالسةٌ في مُعَصْفَرَةٍ، فسألتها عن الْحِنَّاءِ؟ فقالت: "شَجَرَةٌ طَيِّبَةٌ وَمَاءٌ طَهُورٌ". وسألتها عن الـحِفَافِ؟ فقالت لَها: "إِنْ كَانَ لَكِ زَوْجٌ فَاسْتَطَعْتِ أَنَّ تَنْزِعِي مُقْلَتَيْكِ فَتَصْنَعِيهِمَا أَحْسَنَ مِمَّا هُمَا فَافْعَلِي" أخرجه ابن سعد في "الطبقات الكبرى".

وقول السيدة عائشة رضي الله عنها: "أَنْ تَنْزِعِي مُقْلَتَيْكِ فَتَصْنَعِيهِمَا أَحْسَنَ مِمَّا هُمَا" نصٌّ في مشروعية استعانة المرأة بما من شأنه تجميل وجهها وتحسين هيئتها وإزالة ما قد لَحِقَ بها من أمور تؤثر في زينتها.

 

مشروعية إجراء عملية شد الوجه لإزالة التجاعيد الناتجة عن أسباب مرضية

تتأكد هذه المشروعية إذا كان الباعث من وراء ذلك رفع آثار المرض عن المرأة، لأنه يكون من قبيل التداوي حينئذٍ الذي تواردت النصوص على مشروعيته والندب إليه؛ فعن أسامةَ بنِ شَرِيكٍ رضي الله عنه قال: أتيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه كأنما على رؤوسهم الطيرُ، فسَلَّمتُ ثم قعدتُ، فجاء الأعرابُ من هاهنا وهاهنا، فقالوا: يا رسول الله، أنتداوى؟ فقال: «تَداوَوا؛ فإنَّ اللهَ عزَّ وجلَّ لم يَضَع داءً إلَّا وَضَعَ له دَواءً غيرَ داءٍ واحِدٍ الهَرَمُ» أخرجه أبو داود والترمذي في "السنن".

وهذا الحديث جاء فيه الحث على التداوي مطلقًا غير مُقَيَّدٍ بقَيد، والقاعدة أن المطلق يجري على إطلاقه حتى يَرِد ما يقيده. ينظر: "اللمع في أصول الفقه" للشيرازي (ص: 43، ط. دار الكتب العلمية).

والحاصل في هذه العمليات بمجملها أنها وإن كانت تجميلية في ظاهرها إلَّا أنها تتضمن أغراضًا علاجية من إزالة العيوب التي قد تسبب للشخص أذًى نفسيًّا كان أو عضويًّا؛ وقد تقرر في القواعد: "الضرر يزال"؛ المأخوذ أصله من قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ» أخرجه أحمد في "مسنده" وابن ماجه في "سننه".

 

الرد على من يتوهم أن شد الوجه لإزالة التجاعيد فيه تغيير لخلق الله

 لا يتوهم بأن هذا الفعل يدخل في عموم النهي عن تغيير خلق الله الوارد في قوله تعالى: ﴿وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ﴾ [النساء: 119].

وذلك لاختلاف المفسرين في تفسير هذه الآية، هل المراد تغيير دين الله بتحليل الحرام وتحريم الحلال، أو المراد تغيير الأحوال التي تتعلق بالظاهر؛ كالوصل والوشم ونحو ذلك؛ كما في "مفاتيح الغيب" للإمام الرازي (11/ 223، ط. إحياء التراث).

إلا أن ذلك كله لا يدل على المنع في مسألتنا، ووجه ذلك: أنه على فرض أن المراد هو تغيير الأحوال الظاهرة فإن المنهي عنه هو العدول عن صفة الخِلْقة أو صورتها التي تعرف بها بالإزالة أو التبديل.

قال الإمام البيضاوي في "أسرار التنزيل" (2/ 98، ط. دار إحياء التراث العربي): [﴿وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ﴾ عن وجهه وصورته أو صفته] اهـ.

وشد الوجه لا تغيير فيه للصورة أو الصفة بل هو نفس الوجه والصورة؛ فغاية الأمر هو إعادة الوجه للأمر الذي كان عليه مِن صورته التي هو عليها دون تغيير أو تبديل لصورته الأولى، فتغيير صورة الشيء إنما يكون بإزالته وتبديله لا بترميمه وتجميله!

ولا يصح أن تقاس هذه العملية في هذه الحالة على الوشم أو النمص والتفليج؛ إذ علة النهي عن تلك الأمور أنَّها من باب التدليس أو لأنه يتوصل بها إلى الفاحشة؛ كما في "مفاتيح الغيب" للإمام الرازي (11/ 223).

بناءً على ذلك: فلا مانع شرعًا من إجراء عملية شد الوجه لمعالجة ما يصيبه من تجاعيد وترهلات إذا قرَّر الطبيب المختص أنها لا ينفعها غيرُ هذه الوسيلة وحدَها.
والله سبحانه وتعالى أعلم.

 

ads